نقص الكادر الطبي النسائي يحرم مصابات زلزال أفغانستان العلاج

شهدت أفغانستان في 31 أغسطس/آب الماضي، زلزالاً مدمراً خلّف آلاف القتلى والجرحى، من بينهم عدد كبير من النساء، واللواتي تضاعفت مأساتهن بسبب عدم وجود الكادر الطبي النسائي، بينما العادات القبلية السائدة تحظر على الأطباء الرجال معالجة النساء.

وراجت أخبار بلا مصادر موثوقة مفادها أن عدداً من الحوامل لقين حتفهن بسبب عدم وجود الكادر النسائي في مستشفيات مدينة جلال أباد، كما راجت أخبار أخرى حول رفض المصابات في الزلزال العلاج على أيدي الأطباء الرجال، في حين حاولت الحكومة الأفغانية ومؤسسات خيرية محلية منذ اليوم الأول جمع أكبر عدد من الطبيبات والممرضات في المستشفيات التي تعالج ضحايا الزلزال، لكن لم يكن ذلك سهلاً، إذ لا يوجد عدد كاف من الطبيبات والممرضات أصلاً.

تقول الناشطة الأفغانية كلثوم ناصر لـ”العربي الجديد”: “كنت أدرس في السنة الثانية بكلية الطب عندما أغلقت حكومة طالبان الجامعات أمام الإناث، والمشكلة الصحية قائمة، وهي حالياً أكبر بكثير. لا أملك مصادر تؤكد وفاة نساء حوامل بسبب عدم وجود الطبيبات والممرضات، لكن قطاع الصحة الأفغاني مصيره الانهيار إذا استمرت سياسات طالبان الخاصة بمنع تعليم النساء”.

تضيف ناصر: “أعرف مسؤولين في إدارات الصحة الأفغانية يناشدون الطبيبات المتقاعدات، ومن درسن الطب لسنتين أو ثلاث، وكذا الممرضات اللواتي توقفن عن العمل، الذهاب إلى المستشفيات في هذه الفترة العصيبة، وهذا أمر يشير إلى اعتنائهم بالضحايا، لكن العجيب أن أياً منهم لا ينتقد رفض الحكومة السماح للنساء بأن يدرسن، لا الطب ولا غيره. إذا كان هذا هو الحال بعد أربع سنوات فقط من حكم طالبان، ومنعها الفتيات من التعليم الجامعي، فكيف سيكون حجم شح الكادر الطبي النسائي بعد ثمان أو عشر سنوات؟ هذه الحال تنطبق على كل القطاعات، لكن القطاع الطبي انكشف بسبب الزلزال، ونتيجة الأوضاع الصحية المتردية بشكل عام”.

وكشفت منظمة “أنقذوا الأطفال” الدولية، أمس الأول الجمعة، أن قابلة أفغانية تدعى باكيزه، تمكنت من تخطي كل العقبات ومشكلات الطرق، ووصلت إلى المناطق المنكوبة بالزلزال لمساعدة الحوامل، وإجراء عمليات الولادة، ونقلت المنظمة عن القابلة أن “النساء كن يلدن أطفالهن تحت الأشجار، أو في العراء، وفي ظل ظروف قاسية نتيجة عدم وجود طبيبات أو ممرضات، وندرة الطاقم الطبي النسائي”. وأن وجود هذه القابلة في المنطقة المنكوبة شكل فارقاً كبيراً، رغم أنها ليست طبيبة ولا ممرضة، وخبرتها لا تتجاوز أربع سنوات، لكنها تمكنت من إنقاذ حياة كثير من الأمهات.

طبيبية أفغانية خلال إجراء عملية جراحية، 27 أغسطس 2025 (إليس بلانشارد/ Getty)
طبيبة أفغانية خلال إجراء عملية جراحية، ۲۷ أغسطس ۲۰۲۵ (إليس بلانشارد/Getty)

وهناك أعداد كبيرة من الممرضات والقابلات اللاتي يقمن بدور الطبيبات منذ سنوات في مختلف مناطق أفغانستان، لكن فداحة تداعيات الزلزال جعلت كل من تعرف من الطب شيئاً مطلوبة في مراكز الرعاية الصحية الأولية، وكذلك في المستشفيات التي كانت تستقبل المصابين في مدينة جلال أباد.

تعمل سليمة ممرضة في المستشفى المركزي بمدينة جلال أباد، وتقول لـ”العربي الجديد”: كنت قبل الزلزال أتولى وصف الأدوية، والقيام ببعض أعمال الطبيبات بسبب النقص القائم، وبعد الزلزال أصبحت أقوم بكل أدوار الطبيبة. في القسم الذي أعمل به توجد طبيبتان فقط، بينما عدد المرضى بالمئات، وهاتان الطبيبتان تفرغتا لإجراء العمليات الجراحية، بينما كنت أتولى وصف الدواء، والقيام بأعمال الفحص الطبي. بعد ليلة عمل طويلة، جاءت إحدى الطبيبتين وهي تبكي، وتقول إنها لم تعد تشعر بيديها من الإرهاق، وكانت تبكي أسفاً على حال المريضات”.

تضيف سليمة: “ليس النقص في عدد الطبيبات فقط، بل أيضاً هناك نقص كبير في الممرضات، وبعض الممرضات جئن بشهادات حصلن عليها من باكستان وإيران، وقمنا بتوظيفهن، ولا نعرف هل درسن فعلاً أم لا، لأن الحصول على الشهادات مقابل المال سهل هناك، وهذه مصيبة أخرى كبيرة”.

تعمل الطبيبة ثريا في أحد المستشفيات التي تستقبل ضحايا الزلزال، وتقول لـ”العربي الجديد”: “حالنا في المستشفيات لا يوصف، إذ لا راحة، ولا طعام ولا شراب كافياً، ولا يمكننا الذهاب إلى منازلنا، بينما لدينا أسر وأطفال. أفحص يومياً مصابات أوضاعهن الصحية متردية بشكل عام، وبينهن حوامل معرضات مع أجنتهن للخطر، وبعضهن يعانين كسوراً في الرقبة أو الظهر أو الفخذ، ونعطيهن مسكنات قوية لأننا لا نملك إجراء عمليات جراحية لهن نتيجة كثرة أعداد المصابين. نعيش كارثة، والمستقبل مظلم”.

تضيف الطبيبة: “لا شك أن منع حكومة طالبان البنات من التعليم الجامعي سبب مباشر، فخلال السنوات الأربع الماضية، كان من المفترض أن تتخرج أعداد كبيرة من النساء من كليات الطب والتمريض والصيدلة، لكن هذا لم يحصل مع الأسف. تعامل طالبان مع النساء بشكل عام تسبب في هجرة كثير من الطبيبات والممرضات. لو سمحت طالبان بتعليم البنات ما كان هذا وضعنا حالياً، لكنهم تسببوا في زيادة النقص في الكادر الطبي النسائي، ولا بد من تغيير هذا الوضع قبل أن تسوء الأحوال أكثر من ذلك”.

العربي‌الجدید