المساحات الآمنة تمنح الأمل في المجتمعات المعزولة في الخليل

الأزمة المتفاقمة في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، تُخلّف أثراً مدمّراً على حياة النساء والفتيات. فمنذ يناير 2025، أدّت العملية العسكرية الإسرائيلية "الجدار الحديدي" إلى تزايد النزوح، وتدمير البنية التحتية، وفرض قيود مشدّدة على الحركة. هذه الإجراءات انعكست بعمق على الحياة اليومية والأمان وإمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية لعدد لا يُحصى من العائلات. أما العبء النفسي فهائل، حيث تعيش الغالبية العظمى من النساء والفتيات في حالة خوف وقلق متصاعدين، إلى جانب المعاناة المباشرة من الحرمان الإنساني.

شريان حياة في دير الشمس

في المجتمعات المهمّشة مثل دير الشمس جنوب الخليل، تواجه النساء تحديات مركّبة: عزلة عميقة، فقر، وصعوبات بالغة في الوصول إلى الخدمات والدعم الحيوي. آيات، أم حامل تبلغ من العمر ۲۹ عاماً ولديها أربعة أطفال، تصف المعاناة اليومية حتى في أبسط الاحتياجات الصحية: “إذا أردنا رؤية طبيب، علينا الذهاب إلى مدينة الخليل. نحتاج إلى سيارة أجرة خاصة تكلف ۶۰ أو ۷۰ شيكلاً (أي ما يعادل ۱۸ إلى ۲۲ دولاراً) – إنها مسافة طويلة.”

Ayat, 29, a mother of four and pregnant, shares her hopes for better support for women in her village at the newly-established mobile safe space in Deir Al Shams, southern Hebron. ©UNFPA Palestine/Lisa Sabella
آيات، ۲۹ عاماً، أم لأربعة أطفال وحامل، تشارك آمالها في الحصول على دعم أفضل للنساء في قريتها، وذلك في المساحة الآمنة المتنقلة التي أُنشأت حديثاً في دير الشمس جنوب الخليل. ©صندوق الأمم المتحدة للسكان – فلسطين / ليزا سابيلا

لما، البالغة من العمر ۲۴ عاماً، تعيش قلقاً دائماً بشأن الاحتياجات الطبية  لابنتها الصغيرة جوري. تقول: “الآن جوري تعاني من التهاب في الأذن، وسأضطر للانتظار حتى يأتي الطبيب إلى هنا ليقدم لها العلاج، هو يحضر مرة في الأسبوع.”

الاستجابة للاحتياجات العاجلة

بفضل التمويل الهام من حكومة كندا ، يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) بالشراكة مع جمعية تنظيم وحماية الأسرة الفلسطينية (PFPPA) وجمعية أدوار للتغيير المجتمعي، على سد هذه الفجوات الحرجة. فالمساحة الآمنة المتنقلة تقدم دعماً نفسياً واجتماعياً وجلسات توعية وبرامج تمكين مباشرة إلى المجتمعات المعزولة في دير الشمس. ومن خلال شراكته مع كندا، أنشأ صندوق الأمم المتحدة للسكان أيضاً مساحات آمنة للنساء والفتيات في مدينة الخليل وطولكرم وجنين، تقدّم خدمات شاملة لإدارة الحالات والمساعدة القانونية وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما يضمن دعماً يوفر الخصوصية وسهل الوصول لمن هنّ في أمس الحاجة، إضافة إلى مأوى للنساء في نابلس.

ملاذ للتعافي  والبدء من جديد

بالنسبة لنساء مثل آيات، ولما، وسميرة  (38 عاماً) مديرة  لجنة حماية النساء في دير الشمس، تمثل المساحات الآمنة أكثر بكثير من مجرد موقع. تؤكد سميرة الأثر العميق الذي بدأت تُحدثه: “المساحة الآمنة هنا تمنحنا الأمل بأن هناك من يرانا ويسمعنا ويهتم لأمرنا. نريد من يسألنا: هل أنتن بخير؟ هذه القافلة ليست مجرد مساحة آمنة، بل مكان نتحدث فيه  بحرية، نضحك، ونبكي معاً دون خجل. ومكان نصبح فيه أقوى.”

Lama, 24, holds her one-year-old daughter Jouri, at the mobile safe space in Deir Al Shams. She says the space gives her a sense of security ©UNFPA Palestine/Lisa Sabella
لما، ۲۴ عاما، تحمل إبنتها جوري البالغة من العمر عاما واحدا، تجلس في المساحة الآمنة المتنقلة في دير الشمس.  تقول لما بأن هذا المكان يُشعرها بالأمان  ©صندوق الأمم المتحدة للسكان فلسطين\ليزا سابيلا

تؤكد لما على شعورها بالأمان والذي توفره هذه المساحة الآمنة وتقول: “نحن بحاجة إلى مكان نتحدث فيه ونحصل على المشورة. الاحتلال في كل مكان، من جميع الجهات. نحن محاصرون. نحن دائماً خائفات.”

شريان حياة لا غنى عنه

تشكل هذه المساحات الآمنة طوق نجاة أساسياً، فهي توفر بيئة آمنة وسهلة الوصول تُمكّن النساء من التواصل، والتحدث بصراحة، والحصول على الدعم الضروري بعيداً عن مشقة السفر الطويل أو الخوف من الوصمة. حتى في أكثر الظروف قسوة، تُثبت هذه المبادرات أن حماية النساء والفتيات وتعزيز صمود المجتمعات ليست مجرد إمكانية، بل ضرورة حتمية. ومع استمرار تفاقم الاحتياجات الإنسانية في الضفة الغربية، فإن الحفاظ على هذه المساحات الآمنة وتوسيع نطاق الخدمات الأساسية المقدمة للنساء والفتيات يتطلب دعماً دولياً عاجلاً وثابتاً لا يتزعزع.

یونیسف