اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
تعكس ظاهرة الطلاق التحولات العميقة في المجتمعات العربية، وتشير إلى مدى تعقيد وتشابك العلاقات الزوجية تحت تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث لم يعد الطلاق مجرد حدث فردي، بل بات ظاهرة متزايدة تعكس العديد من الأزمات الهيكلية في المجتمعات الحديثة، حتى أنها شملت كبار السن.
وتسعى مؤسسات دينية ومجتمعية في العالم العربي إلى دعم برامج التوعية والدعم الأسري، بغاية الحفاظ على ديمومة العلاقات الزوجية والتقليل من نسب الطلاق، كبرنامج الأزهر الشريف “عاشروهن بالمعروف” الذي تبنى دورًا دعويًا اجتماعيًا، استخدم فيه السوشيال ميديا لبث فيديوهات قصيرة لأعضاء فتوى بالأزهر للحديث عن أبرز المشكلات التي تواجه الزوجين. كما أطلقت وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة في دولة قطر، العام الماضي، حملة وطنية بعنوان “سنة أولى زواج” بهدف “خفض الطلاق في المجتمع القطري،” حسب ما أعلنته الحملة، وتتركز تلك البرامج بشكل رئيسي على تأهيل الأزواج الجدد، تحديدًا على مواجهة عقبات الزواج.
وفي محاولة منها للحد من تداعيات تفاقم ظاهرة الطلاق على المجتمع، وضعت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن في تونس، برنامجاً لتأهيل المقبلين على الزواج من أجل تدريبهم وتعزيز قدراتهم على ضمان استقرار أسري، وفق رؤية جديدة تأخذ في الاعتبار التحديات الاجتماعية التي تعيشها الأسرة التونسية.
الطلاق لم يعد مجرد حدث فردي، بل بات ظاهرة متزايدة تعكس العديد من الأزمات الهيكلية في المجتمعات الحديثة
ويهدف البرنامج إلى تأهيل الشباب، وإكسابهم مهارات علمية للتعامل مع الشريك، بهدف تقوية الروابط الاجتماعية وإنشاء أسرة متماسكة عبر تطوير الثقافة الزوجية للمقبلين على الزواج وإكسابهم المهارات اللازمة للتعامل مع الصعوبات التي يمكن أن تعترض الشريكين.
وبدأت الوزارة في تنفيذ هذا البرنامج منذ ۲۰۲۳ و سيستمر حتى ۲۰۲۵ كتجربة أولى، من خلال “تنظيم دورات تأهيل للشباب قبل إبرام عقد الزواج تتوج بشهادة تأهيل وإصدار دليل تأهيل الشباب للحياة الزوجية”.
وقال معز حسن رئيس مأمورية في وزارة المرأة إن البرنامج يهدف إلى “المساهمة في خفض نسب الطلاق داخل الأسرة التي سجلت تصاعداً لافتاً خلال السنوات الأخيرة، وتطوير الثقافة الزوجية للشباب، وإكسابه المهارات اللازمة للتعامل مع الصعوبات التي يمكن أن تعترض الشريكين، من أجل خفض نسب العنف والطلاق داخل الأسرة، إضافة إلى خفض نسب العزوف عن الزواج لدى الشباب، أو الزواج وفقاً لصيغ غير قانونية”.
وفي المغرب تم اقتراح إحداث هيئة غير قضائية للصلح والوساطة، يكون تدخلها مطلوبًا في غير حالة الطلاق الاتفاقي، مع حصر مهمتها في محاولة الإصلاح بين الزوجين، والتوفيق بينهما في ما يترتب على الطلاق من آثار.
وقالت فردوس أخريف، الباحثة في الوساطة الأسرية والصلح، إن “إحداث مؤسسة للوساطة يجب بلا شك أن يكون خارج المحكمة، بحيث سيلزم الزوجان بالتعامل معها قبل الوصول إلى القضاء، للبحث عن أسباب النزاع وتقريب وجهات النظر، كما أن هذه العملية يفترض أن يشرف عليها أشخاص مؤهلون وملمون بآليات الصلح.”
وأكدت أن هذا لا يكفي لحل الإشكال، الذي تتعدد أسبابه، ولهذا لا بد من إقرار سياسات عمومية تؤثر على حياة المواطنين لتكون منسجمة مع التحولات المجتمعية الراهنة، كما يجب تعميم مفهوم الوساطة والصلح عبر تنزيل هذه المؤسسات وتقنينها، إلى جانب التوعية والتعريف بها بإقامة حملات توعوية خاصة.
وتأتي هذه المقترحات الرامية إلى وقف النزيف الذي يهدد المجتمع المغربي، في وقت تشير فيه الأرقام الرسمية إلى تسجيل ۲۴ ألفًا و۱۶۲ حالة طلاق اتفاقي سنة ۲۰۲۳، إلى جانب ۳۴۱ حالة طلاق رجعي من أصل ۲۴۹ ألف رسم زواج، رغم أن مدونة الأسرة تفرض إلزامية محاولة الصلح بين الزوجين في جميع قضايا الطلاق، باستثناء حالات معينة، ولا تصدر المحكمة الإذن بإشهار الطلاق إلا بعد استكمال إجراءات الصلح.
وتبذل الحكومة المغربية جهودًا ملحوظة لتعزيز الأسرة وتقوية العلاقات الزوجية. وتشمل هذه الجهود برامج الدعم النفسي التي تقدم للأزواج الذين يواجهون صعوبات في علاقاتهم، بالإضافة إلى دورات التربية الأسرية التي تهدف إلى توعية الأزواج الشباب بأهمية الأسرة وتعزيز الروابط بينهم.
كما تم إنشاء مراكز الإرشاد الأسري لتقديم الدعم والمساعدة للأزواج في حل نزاعاتهم وتحسين بيئة حياتهم المشتركة.
وتتطلب معالجة مشكلة الطلاق في المغرب تكامل الجهود المجتمعية والحكومية، لضمان استقرار الأسرة وتعزيز العلاقات الزوجية، وهو ما يعتبر ركيزة أساسية لبناء مجتمع متماسك. وتعد ظاهرة الطلاق في الدول العربية مشكلة مستعصية يصعب على الحكومات تطويقها رغم الجهود المبذولة من طرفها، نظرا إلى تداخل أسبابها وتشابكها. وتعكس البيانات الرسمية المنحى التصاعدي للظاهرة.
العالم العربي يعرف تحولات هيكلية منذ أكثر من ۴۰ سنة بدخوله في اقتصاديات ليبرالية ما أدى إلى تآكل المؤسسات التقليدية كالعائلة والمدرسة ومؤسسات الزواج
وفي الإحصاءات المتعلقة بالطلاق لعام ۲۰۲۴، كشف موقع «داتا بانداز» أن ليبيا تصدرت قائمة الدول العربية بمعدل ۲٫۵ حالة طلاق لكل ألف شخص، وهو أعلى معدل في العالم العربي، تلتها مصر بمعدل ۲٫۳ حالة طلاق لكل ألف شخص، ثم السعودية بمعدل ۲٫۱٫
وتبرز الأرقام، وفق خبراء الأسرة، تأثير التغيرات الاجتماعية والضغوط الاقتصادية على العلاقات الأسرية، حيث تواجه الأسر تحديات كبيرة تجعل استمرار الحياة الزوجية أمرًا صعبًا. وجاءت الجزائر والأردن ولبنان في المرتبة الرابعة بمعدل ۱٫۶ حالة طلاق لكل ألف شخص، وهو معدل مرتفع نسبيًا لكنه أقل حدة مقارنة بالدول الأولى. أما سوريا والكويت فقد سجّلتا معدل ۱٫۳ حالة طلاق لكل ألف شخص، بينما كانت الإمارات وقطر الأقل بمعدل ۰٫۷ لكل ألف شخص، ما يُظهر استقرارًا نسبيًا في هذه الدول.
وفي عام ۲۰۲۳، بينت أرقام الطلاق في عدد متفرق من دول العالم العربي، أنّ مصر سجلت ۲۴۰ ألف حالة طلاق، حسب مركز معلومات مجلس الوزراء، وفي العراق كشف مجلس القضاء الأعلى عن ۷۲ ألف حالة طلاق في عام ۲۰۲۳، وكشفت الهيئة العامة للإحصاء بالسعودية عما وصفته بارتفاع غير مسبوق في معدلات الطلاق في المملكة خلال عام ۲۰۲۳، حيث رصدت ۱۶۸ حالة طلاق يوميًا، وفي تونس فإنّ أعداد الطلاق ارتفعت إلى ۳۵ ألف حالة.
وبالحديث عن مصر كثاني أكثر الدول تسجيلاً لحالات الطلاق أشارت النشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق لعام ۲۰۲۳ الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر؛ إلى ارتفاع كبير في أحكام طلاق “الخلع” بنسبة ۸۱٫۳ في المئة خلال عام ۲۰۲۳ مقارنة بعام ۲۰۲۲٫
وحسب التقرير فقد بلغ عددُ أحكام الخلع نحوَ ۸۶۸۴ حكمًا من إجمالي ۱۰۶۸۳ حكمًا قضائيًّا نهائيًّا تم إصدارها في العام نفسه.
وأشارت بيانات جهاز الإحصاء إلى أنّ أحكام الخلع تمثّل نسبة ۳٫۳ في المئة من إجمالي حالات الطلاق في البلاد. يُذكر أن طلاق الخلع يتم بحكم قضائي من محكمة الأسرة، عندما تسعى الزوجة لإنهاء العلاقة الزوجية دون موافقة الزوج.
من ناحية أخرى كانت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية بين ۲۵ و۳۰ عامًا، بينما سُجلت أقل نسبة طلاق في الفئة العمرية التي تتجاوز ۷۵ عامًا.
وفي تونس كشفت المؤشرات الأخيرة الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء (بيانات لسنة ۲۰۲۴) أنه سجل أكثر من ۱۴ ألف حالة طلاق سنويًا في تونس وهي نسب متأتية من تقديرات سكنية، حيث وقع استعمال بيانات الحالة المدنية التي تتضمن حالات الزواج والطلاق، والتي كشفت عن تأخر سن الزواج وزيادة نسب الطلاق.
وفي العراق، كشف رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، أن الأشهر الأربعة من عام ۲۰۲۴ سجلت ۲۵۵۳۶ حالة طلاق.
وقال الغراوي، إن شهر يناير من عام ۲۰۲۴ شهد تسجيل ۷۴۵۳ حالة طلاق في حين شهد شهر فبراير تسجيل ۶۳۲۴ حالة، وفي شهر مارس تم تسجيل ۶۲۲۲ حالة في حين شهد شهر أبريل تسجيل ۵۵۳۷ حالة طلاق.
وأشار الغراوي، إلى أن أهم أسباب ارتفاع حالات الطلاق هو قلة الثقافة الزوجية وعدم التفاهم بين الزوجين إضافة إلى العنف الأسري والتدخلات من قبل الأهل والأصدقاء والزواج المبكر والظروف الاقتصادية وارتفاع معدلات الخيانة الزوجية والاستخدام السيء للاتصالات وضعف الوازع الديني والزيجات المتعددة وضعف منظومة القيم المجتمعية والتفكك الأسري ووجود أكثر من عائلة في بيت واحد ما يزيد من حدوث المشاكل.
وفي تبريره للظاهرة أكد فؤاد الغربالي الباحث التونسي في علم الاجتماع أن العالم العربي يعرف تحولات هيكلية منذ أكثر من ۴۰ سنة بدخوله في اقتصاديات ليبرالية ما أدى إلى تآكل المؤسسات التقليدية كالعائلة والمدرسة ومؤسسات الزواج والدين والقبيلة.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن أكبر نسبة تأخر في سن الزواج لدى النساء في السعودية وهو ما يعكس التحولات الهيكلية التي عرفها المجتمع في المملكة. وفسر الغربالي ارتفاع معدلات الطلاق بتزعزع مؤسسة الزواج وظهور نوع من النزعة الفردانية. وأضاف أن العدالة الاجتماعية هي وسيلة الدول في مجابهة ظاهرة الطلاق، مشيرا إلى أنه على الدول العربية أن تخلق آليات لحفظ الأطفال عند الانفصال وأن تخرج من سيطرتها على العائلة.
العرب