اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
نُمسك القلم كأنه سلاح، ونحمل الدفاتر كأنها دروع، لأننا نعلم أن في سطر نكتبه حياة، وفي فكرة نؤمن بها نجاة. جيلنا لا يحلم داخل صالات مكيفة، بل يبني طموحه على ضوء شمعة، في العتمة، وسط الركام، مع انقطاع الكهرباء وقصف اللحظات. نرسم على الحيطان، ونكتب في الزوايا، ونقرأ على فتات الوقت.
نحن لا نُحرم من الطموح، بل نحوّله إلى مقاومة. فبينما يُقاس النجاح عند غيرنا بالشهادات والدرجات، نقيسه بالإصرار، بالجلد، بعدد المرات التي لم نستسلم فيها. لا أحد يرانا ونحن نحاول، لكن الله يرى، وهذا يكفينا لنكمل. نُزهر رغم الركام، ونبتسم رغم الأسى، ونبني رغم الدمار. من قال إن النجاح يحتاج ظروفًا مثالية؟ جيلنا ينجز في اللاشيء، يحفر في الصخر، ويصنع من الحلم ملاذًا، ومن الكلمة وطنًا.
الطريق صعب، نعم… لكننا أقوى مما نظن، وأقدر مما يخبرنا به خوفنا. ورغم كل شيء… نُزهر. وسنظل نُزهر، لأن هذا الجيل اختار أن يُضيء، لا أن ينطفئ. ولأننا اخترنا أن نُضيء، لا أن ننطفئ، فإن كل لحظة نعيشها تتحوّل إلى شهادة حيّة على قدرة الإنسان على تجاوز المحن، حتى حين تكون السماء أقرب إلى الرماد منها إلى الزرقة.
لكل من ظن أن جيل غزة جيل الخسارة والانكسار، نقول: بل نحن جيل البدايات الأخرى، جيل لا يُقاس بالأدوات بل بالإرادة. نحن الجيل الذي لا يختبئ من العتمة… بل يُضيئها. فيا من تقرأني الآن، إن أردت أن تُضيء عتمتك، فلا تنتظر الضوء من أحد. كن أنت المصباح، كن أنت البداية. واحمل حلمك كمن يحمل كنزًا لا يُقدّر بثمن.
جيلنا لا يُراهن على الحظ، بل على الحلم. لا ينتظر يدًا تُصفّق له، بل يصنع مجده بصمت. نحن لا نطلب المستحيل، نحن فقط نُصرّ على أن نعيش كما نريد: بكرامة، بحرية، وبكلمة تُشبهنا. ربما لا نجد المنصات التي تحكي عنا، لكننا نخلقها. ربما لا تصل أصواتنا إلى كل العالم، لكننا نكتبها على الجدران، ونعلّقها في عيون أمهاتنا، ونوشي بها دفاترنا المدرسية.
في هذا الجيل، تجد من يحفظ قصيدة وهو في ملجأ، من يحلم بالطب وقد خسر بيته، من يُبرمج تطبيقًا من هاتف مكسور، ومن يُطارد حلمه بين الخيام. نحن لا نعرف المستحيل، بل نعرف كيف نحول المأساة إلى معنى، والمعنى إلى خطوة، والخطوة إلى أثر.
قد لا نملك كل الأدوات، لكننا نملك ما هو أهم: نملك الإيمان بأن الغد ممكن، وأن الفكرة قد تكون أقوى من جدار، وأن الكلمات إن خرجت من القلب وصلت، وإن وصلت صنعت التغيير. جيل غزة لا يكرر نفسه. هو جيل يتعلم من رماده كيف يكون الوقود. وكل مرة يسقط، يقوم بيدين أقوى، وعينين أوسع، وقلبٍ أكثر اتساعًا للحلم.
فمن قال إن العتمة تُخيفنا؟ نحن أبناء الشموع، وأصدقاء القمر، ورفاق الليل الطويل الذي لا نخشاه، لأننا نعلم أن النور دائمًا يولد من عمق الظلمة. وفي النهاية، لسنا بحاجة لشهادة من أحد… يكفينا أن نُضيء لأنفسنا، ولمن يأتي بعدنا. ورغم كل شيء… نُزهر. وسنظل نُزهر، لأننا جيل النور، لا جيل الانطفاء.
بنفسج