أثقل الحقيبة المدرسية.. حين تختصر الحياة في كتب و واجبات!

في لحظة ما، تختصر الحياة كلها في حقيبة. حقيبة لا تكفي حتى لحمل الذكريات، لكنها تحاول جاهدة أن تحتضن بقايا البيت، رائحة الوسادة، صورة الطفل، ونسخة مصغّرة من “الحياة السابقة”. في الزوايدة، حيث الخيام مؤقتة لكن الخوف دائم، وحين يصبح اليوم الواحد أطول من أعمارنا، تتولّد حكايات لا تصل إلى نشرات الأخبار، لكنها تعيش وتتنفّس بيننا. نزحنا من بيوتنا، لكننا لم ننزح من كرامتنا، ولم نخلع حبنا لهذه الأرض التي كلما نزفنا فوقها، ازدادت خصوبة.

في قلب النزوح، هناك أطفال يرسمون الشمس بألوان الطباشير على جدران الخيام، وكأنهم يصرخون: “لن نعيش في العتمة!”. وهناك نساء يحوّلن المواقد المكسورة إلى أفران صغيرة للخبز، ويحوكن الأمل من خيوط القهر. وهناك رجال يحفظون الوجع في صدورهم، ويبتسمون لأطفالهم حتى لا تضعف جدران البيت المؤقت.

في كل ركن من المخيّم حكاية. هناك من فقد منزله، وهناك من فقد عائلته، وهناك من فقد صوته، لكنه ما زال يقاوم بنظرة، بحرف، بدعاء. وما بين خيمةٍ وأخرى، يمر الأمل على استحياء، يسأل: هل ما زلتم تؤمنون بي؟ ونجيبه: نعم، رغم كل شيء. فالمخيّم ليس النهاية، بل وقفة مؤقتة في طريقٍ طويل. لا نريد الشفقة، بل الشراكة في الإنسانية.

حين تزور الخيمة الأولى، تظن أن الألم فردي. لكنك حين تمشي بضع خطوات، تكتشف أنه ألم جماعي، موزّع بالتساوي بين الجميع. ومع ذلك، لا أحد ينهار تمامًا. ربما لأننا – رغم كل شيء – نحمل ما هو أثقل من الحقيبة: نحمل الإيمان بأن العودة ممكنة، وأن الحكاية لم تنتهِ بعد. نزحنا جسدًا، لكن أرواحنا بقيت هناك، حيث تركنا الكتب على الرف، والملابس على حبال الغسيل، وأكواب الشاي على الطاولة. نزحنا وما زلنا نكتب، نرسم، نعلّم، ونحلم. لأن من يعرف الأرض لا يخونها، ومن عرف الظلم لا يقبله.

في المساء، حين تهدأ الأصوات، تسمع بكاءً خافتًا في الخيمة المجاورة، وضحكة خجولة في خيمة أخرى. هذا التناقض المستمر هو ما يجعلنا بشرًا. نعيش الألم والفرح في الوقت نفسه، نبكي ونضحك، ننهار وننهض، كل يوم. ما لم يلتقطه الإعلام، التقطته عيوننا. وما لم تصوّره الكاميرات، عايشناه. فالنزوح ليس فقط انتقالًا جغرافيًا، بل زلزال داخلي، شيء يغيّر ترتيب قلبك، ويخلط بين الخوف والحكمة، بين الغضب والحلم.

في كل ركن من المخيّم حكاية. هناك من فقد منزله، وهناك من فقد عائلته، وهناك من فقد صوته، لكنه ما زال يقاوم بنظرة، بحرف، بدعاء. وما بين خيمةٍ وأخرى، يمر الأمل على استحياء، يسأل: هل ما زلتم تؤمنون بي؟ ونجيبه: نعم، رغم كل شيء. فالمخيّم ليس النهاية، بل وقفة مؤقتة في طريقٍ طويل. لا نريد الشفقة، بل الشراكة في الإنسانية.

نريد أن تُروى حكاياتنا لا كأرقام، بل كدروس في الصبر، في الحب، في التمسّك بالحياة رغم كل ما فيها من وجع. نكتب لأن الكتابة مقاومة، ولأن الكلمات يمكن أن تهدم جدارًا وتبني أملًا. نكتب لأننا نرفض أن نصبح منسيين في زوايا الخرائط، ونرفض أن تُطوى صفحاتنا دون أن تُقرأ.

بنفسج