في أکتوبر الوردي.. رويدا معالي تسرد رحلة نجاتها من سرطان الثدي

في بلدة كفر نعمة غرب رام الله، ولدت قصة امرأة استثنائية، فصل لا ينسى في دفتر الحياة؛ رحلة كتبتها الحياة بأقلام الألم، لكنها قرأتها بإرادة لا تنكسر. لم تكن رحلة رويدا معالي مجرد مواجهة مع سرطان الثدي؛ فسطرت بها فصلاً من الشجاعة والانتصار على الخوف، بل كانت رواية عن الوجع والصبر؛ القوة والإيمان بأن الشفاء يبدأ من الداخل ويولد من رحم الألم.

في أحد أيام أكتوبر، شهر التوعية بسرطان الثدي، ذهبت رويدا، (۴۸ عامًا)، لإجراء فحص روتيني بدافع الاطمئنان، خاصة مع وجود تاريخ عائلي مع المرض. لم تكن تعلم أن هذا الفحص سيفتح باباً على واقع لم تكن مستعدة له، وسيكون نقطة التحول الكبرى في حياتها، وأن شاشة “الماموغرام” ستحمل ما لم تكن تتوقعه.

في مركز “دنيا”، كشف فحص الماموغرام والالتراساوند وجود كتلة صغيرة في الثدي الأيمن. شعرت بشيء ما رغم محاولات الطمأنة من الطاقم الطبي. كانت نظرات الطبيبة وتساؤلاتها كفيلة بإشعال فتيل القلق في قلبها؛ كان حدسها أقوى من الكلمات.

تقول رويدا: “لم أكتف برأي طبي واحد، كررت الفحوصات في مستشفى آخر، وتأكدت الشكوك. وجاء التقرير الثاني أقل طمأنينة، وفي قرار شجاع، اختارت الخضوع لخزعة.

الخزعة كانت حاسمة؛ والصدمة ساحقة، تلك الكلمة الثقيلة، قرأتها بنفسها. “سرطان الثدي”؛ تقول رويدا: “وكأن العالم توقف، شعرت ان الأرض تدور، والكلمات تخنق الأنفاس، دموعي انهمرت دون ارادة والحياة تجمدت”، صوت أولادها كان أول ما حضر في ذهنها: “كيف سيعيشون من بعدها”؟!

حتى في ذروة الانكسار ورغم الصدمة، لم تسمح رويدا لليأس أن يستوطن قلبها. قررت أولا أن تكتم الخبر عن أولادها وعائلتها الكبيرة، واحتفظت به مع زوجها وأختها فقط. لم يكن قرارها سهلاً بل مؤلمًا، ولم يكن خوفاً وهروبًا من نظرات الشفقة بل حبًا، كانت تريد أن تحمي قلوبهم من ألم ووجع مبكر لا طاقة لهم به، كما تقول في حديثها لـ “الحياة الجديدة”.

بدأت الرحلة بالعملية الجراحية لاستئصال الورم، تلتها مراحل العلاج الكيميائي، ثم الإشعاعي. لم تكن أيامًا سهلة. وتكمل: “تساقط الشعر من أصعب المحطات لم يكن مجرد تغيّر شكلي، بل سقوطه رمز قاس وجرس إنذار مؤلم يفضح كل ما حاولت إخفاءه عن أعين أطفالي”.

حتى في لحظات الضعف، وجدت من يُمسك بيدها. كانت ابنتها الصغيرة البلسم الذي احتاجته حين كانت تمشط رأس أمها وتهمس لها: “أنتِ الأجمل مهما صار.”

في خضم الألم التفت حولها أحبتها من جديد، عادت الصداقات القديمة، وقفت العائلة كالسور حولها، وكانوا كالضوء في اكثر ايامها ظلمة؛ لم تكن وحدها. وكان دعمهم طوق نجاة، رغم كل شيء، ما أوجعها أكثر كانت نظرات الشفقة، التي شعرت أحيانًا أنها تسرق منها قوتها، وتلخّصها في مشهد ضعف، لا في حكاية صمود.

زيارة الأقصى: لحظة ولادة جديدة

في قمة تعبها ومن اكثر لحظات رويدا قوة وشفاء؛ ووسط جلسات العلاج، عندما زارت  المسجد الأقصى لأول مرة أثناء جلسات العلاج الاشعاعي؛ هناك: وسط سكون القدس وجلال المكان ووقار الحرم، كانت لحظة نور وسط العتمة. بكت طويلًا في رحابه، وشكرت الله. تقول رويدا

وتستذكر رويدا اثناء حديثها قائلة لأختها: “الحمد لله أن المرض داهمني وأنا بقوتي، حتى أزور الأقصى على قدمي، لا محمولة”. كان هذا النور الروحي بمثابة شفاء آخر، لا يُقاس بالأدوية، بل بالإيمان.

رويدا اليوم: ناجية… وسفيرة أمل.. وقصة انتصار

رويدا اليوم ليست فقط ناجية، بل حكاية أمل تُروى. أم لأربعة أبناء، تقف اليوم رويدا شامخة على ضفاف التعافي، خاضت معركة انتصرت فيها بايمانها، بعائلتها وبنفسها، بعد معركة أثبتت فيها ان السرطان لا يعني النهاية؛ بل قد يكون بداية حياة أكثر وعياً، حباً؛ وامتناناً.

في أكتوبر الوردي… رسالتها واضحة: “أنا ناجية… وأنتِ قادرة كمان. لا تخافي من الفحص، خافي من التأخير.”

تخاطب رويدا كل امرأة: “”اعملي الفحص، حتى لو ما في أعراض. السرطان أحيانًا صامت، لا يؤلم، قد يهزمك اذا اكتشفتيه متأخرًا لكن الكشف المبكر هو الخطوة الأولى وبداية الشفاء.”

الحیاة‌الجدیدة