نساء غزة بعد الحرب: سرطان الثدي.. رحلة علاج مؤجلة في انتظار العدالة الصحية

تحكي الصحفية عبلة العلمي خلال حديثها لنساء إف إم  ما رأته بعين شاهدة لا بمجرد ناقلة للخبر. تقول إنها التقت نسرين، سيدة نزحت من بيتها جنوب القطاع ولم تحمل معها إلا حقيبة صغيرة تضم أوراقها الطبية ووصفات علاجها. لم تكن تخشى القنابل بقدر ما كانت تخشى أن تموت بسبب انقطاع جرعات العلاج. اليوم تعيش في خيمة بلا خصوصية ولا دواء، ورغم ذلك تقول بابتسامة متعبة إنها تحاول أن تبدو قوية حتى لا يخاف أطفالها.

قصة نسرين ليست الوحيدة. شابة في الثلاثين من عمرها اكتشفت إصابتها بالمرض قبل الحرب بأسابيع قليلة، لكنها لم تبدأ العلاج حتى الآن. تصف شعور العجز وهي تراقب الورم يكبر كل يوم دون أن تجد مكانًا يقبلها أو مستشفى يستقبل حالتها. هؤلاء النساء لا يطلبن المستحيل، فقط فرصة للبقاء، وحقًا في العلاج والكرامة.

الأرقام الدقيقة اليوم غائبة بسبب تعطل مؤسسات الرصد والمتابعة، لكن التقديرات تشير إلى أن نحو ۳۸% من المصابات بالسرطان في غزة هنّ من مريضات سرطان الثدي، وهو رقم مرتفع في مجتمع يعاني أصلًا من ضعف منظومة الرعاية الصحية. توقفت أجهزة التشخيص، وتعطلت العيادات، ونفدت الأدوية، ما جعل كثيرًا من الحالات تُكتشف في مراحل متأخرة كان يمكن تداركها لو توفر الحد الأدنى من الرعاية.

تقول عبلة العلمي: إن النازحات لا يحتجن فقط إلى خيمة تؤويهن، بل إلى من يصغي إليهن؛ إلى رعاية نفسية وجسدية تداوي ما هو أعمق من الجراح الظاهرة. فخلف كل رقم هناك وجه، وخلف كل حالة هناك قصة تستحق أن تُروى لا أن تُهمَل.

اليوم، وبينما تتهيأ غزة لاستئناف حياتها بعد الحرب، تبقى رحلات العلاج معلّقة بين الأمل والخوف. أمل في أن تعود المستشفيات للعمل، وأن تُفتح المعابر أمام الحالات الحرجة، وخوف من أن يُنسى هؤلاء النساء خلف الركام مرتين؛ مرة حين قصفته الحرب، ومرة حين غابت العدالة الصحية. وما دامت أصواتهن تصل، ولو من قلب خيمة، فإن الرسالة واضحة: الحياة حق، والشفاء حق، والسكوت خذلان. وحتى لو لم نملك الشفاء، فإن نقل هذه الرسالة هو أضعف الإيمان.

نساء FM