زينب الغنيمي لنساء إف إم: شهادات مروّعة لنساء تعرضن لاغتصاب واعتداءات جنسية على يد الاحتلال

في تقرير صادم كشفه المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، تم توثيق سلسلة من الانتهاكات الجنسية والتعذيب الممنهج الذي مارسه الاحتلال الإسرائيلي داخل مراكز الاعتقال والتحقيق، مستهدفًا معتقلين فلسطينيين — رجالًا ونساءً — جرى الإفراج عنهم مؤخرًا.

التقرير، الذي أثار موجة واسعة من الغضب والإدانة الحقوقية الدولية، تضمن شهادات تفصيلية تصف ما جرى من اغتصاب، وتجريد من الملابس، واعتداءات جسدية ونفسية وصفت بأنها “منهجية” تهدف إلى إذلال المعتقلين والنيل من كرامتهم الإنسانية.

وبحسب ما جاء في التقرير، فإن الممارسات الجنسية القسرية داخل السجون لم تقتصر على نوع واحد من التعذيب، بل استخدمت فيها وسائل متعددة وأدوات مختلفة، بل وحتى كلاب بوليسية في بعض الحالات، في انتهاك فاضح لكل القوانين الدولية والاتفاقيات الإنسانية.

وأكد المركز أن هذه الانتهاكات ليست حوادث فردية، بل سياسة ممنهجة تعبّر عن منهج الاحتلال في التعامل مع الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن هذه الجرائم تأتي في سياق أوسع من الإبادة الجماعية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، 

وفي هذا السياق، قالت زينب الغنيمي، مديرة مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة في غزة، خلال حديثها لنساء إف إم، إن ما ورد في تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يعكس واقعًا مرعبًا لانتهاكات الاحتلال ضد النساء والرجال على حد سواء، مؤكدة أن الجرائم الجنسية أصبحت جزءًا من منظومة الإبادة الجماعية التي تُمارس ضد الفلسطينيين.

وأضافت: “هذه الانتهاكات ليست غريبة عن سلوك الاحتلال. من يقتل الأطفال ويدمر البيوت ويقصف النساء الحوامل، من الطبيعي أن يرتكب جرائم الاغتصاب. الجرائم كلها وجه واحد لجريمة أكبر ضد الإنسانية.”

وأشارت الغنيمي إلى أن شهادات النساء اللواتي تعرضن لاعتداءات جنسية خلال العدوان الأخير على غزة تُظهر حجم البشاعة الممنهجة التي تمارسها قوات الاحتلال، حيث وثقت مراكز حقوقية عدة عمليات تحرش واعتداءات خلال عمليات الاقتحام، سواء داخل البيوت أو على الحواجز أو أثناء محاولات النزوح.

ووصفت الغنيمي المشهد بقولها:”في مناطق مثل جباليا وبيت لاهيا، تم تجميع النساء في ساحات مفتوحة، أُجبرن على الانتظار لساعات طويلة، قبل أن يتم تهديدهن وإطلاق النار فوق رؤوسهن. بعضهن جُردن من ملابسهن، في انتهاك مروّع لكرامتهن وإنسانيتهن.”

وأكدت الغنيمي أن أخطر ما في هذه المرحلة هو الخوف من الحديث عن هذه الانتهاكات بسبب الحساسية الاجتماعية والوصمة المرتبطة بها، إلا أن نشر التقرير الأخير فتح الباب أمام موجة من الشهادات الجديدة.

وبعد نشر التقرير، تلقى المركز الفلسطيني اتصالات من نساء ورجال قالوا إنهم لم يجرؤوا على ذكر تفاصيل الانتهاكات الجنسية سابقًا بسبب الخجل أو الخوف، لكنهم اليوم بدأوا يتواصلون لتوثيق ما جرى معهم. نحن ندعو كل من تعرض لانتهاك أن يُعلّي صوته، لأن الصمت يُبقي الجريمة بلا عقاب.

وشددت على أن كسر حاجز الصمت مسؤولية جماعية، داعية كل الضحايا إلى التواصل مع أقرب مؤسسة حقوقية في مناطقهم لتوثيق الشهادات، مؤكدة أن توثيق هذه الوقائع هو الطريق نحو محاسبة مرتكبي جرائم الحرب وكشف زيف الرواية الإسرائيلية أمام العالم.

وتحدثت الغنيمي عن الدور المتنامي الذي تقوم به المؤسسات النسوية والحقوقية في دعم النساء ضحايا الاعتداءات، موضحة أن الطلب على خدمات الدعم النفسي والاجتماعي تضاعف عدة مرات خلال هذا العام بسبب حجم الانتهاكات التي طالت المدنيين.

وقالت: قبل العدوان كنا نستهدف ما بين ثلاثة إلى أربعة آلاف امرأة سنويًا. اليوم، وصلنا إلى أكثر من ۱۵ ألف امرأة و۵ آلاف رجل خلال أقل من عام. وهذا يعكس عمق الأزمة النفسية والاجتماعية التي خلفها العدوان.”

وأشارت إلى أن مؤسسات مثل مركز شؤون المرأة، جمعية عايشة، جمعية العون، ومؤسسة حضارة تعمل بشكل متواصل على تقديم خدمات الدعم النفسي والقانوني والتوعوي، وتسعى إلى رفع وعي المجتمع بأهمية مواجهة الوصمة المرتبطة بالاغتصاب والعنف الجنسي، مؤكدة أن “العار ليس على الضحية، بل على الجاني. والسكوت لم يعد خيارًا.”

واختتمت الغنيمي حديثها برسالة قوية: “عندما كنت معتقلة في سن الخامسة عشرة عام ۱۹۶۹، كان الاحتلال يهددنا بالاعتداء، وكنا نرد عليه بكرامة قائلين: الأرض ولا العرض. اليوم نقولها بصوت أعلى — نحن ندافع عن كرامتنا، عن أرضنا، وعن حقنا في الحياة الحرة.”

وأكدت أن الاعتداءات الجنسية ليست قضايا فردية أو اجتماعية فحسب، بل جرائم حرب، وأن الدفاع عنها هو جزء من النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال 

يوثّق هذا التقرير لحظة فارقة في مسار توثيق جرائم الاحتلال. فالأصوات التي كانت صامتة بدأت تتكلم، والجراح التي أُخفيت قسرًا بدأت تنزف على العلن.

وفي مواجهة محاولات الاحتلال طمس الحقيقة، تؤكد المؤسسات الحقوقية والنسوية الفلسطينية أن المعركة اليوم ليست فقط معركة الأرض، بل معركة الكرامة والعدالة والإنسانية.

نساء‌ FM