اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
دمشق- “أجلس هنا على الرصيف يوميا منذ ساعات الصباح الباكر وإلى المغيب، أبيع من ۱۰ إلى ۱۵ ربطة خبز لأتمكن من شراء بعض الحاجات الضرورية لي ولأطفالي، من طعام ودواء (…) وغير ذلك”. بهذه العبارة تصف أم زهير (۴۳ عاما) -النازحة من البوكمال (شرقي سوريا) إلى ريف العاصمة دمشق- معاناتها اليومية لتحصيل لقمة العيش بعد وفاة زوجها خلال المعارك في الحرب السورية التي اندلعت قبل نحو ۱۲ عاما.
تفترش السيدة الأربعينية وابنها (۹ أعوام) رصيفا وسط العاصمة دمشق لتبيع الخبز للمارة، ممن لا يرغبون أو لا يقدرون على الاصطفاف ساعات طويلة في طابور الخبز.
وتقول أم زهير للجزيرة نت إن “أكثر ما ينغّص عليّ عملي هو اشتداد البرد في هذه الفترة من السنة، لقد أصيب ابني بالتهابٍ حادٍ في القَصَبات قبل أسبوع، ولم أتمكن من العمل أياما بسبب ذلك”.
وإلى جانب البرد الشديد، تشتكي أم زهير من قلة العائد المادي لعملها هذا؛ إذ بالكاد تتمكن من تحصيل ۸ إلى ۱۲ ألف ليرة (۱٫۲ إلى ۱٫۸ دولار) يوميا. وهو ما يكفي “لوجبة طعام متواضعة من الخضر والحبوب والخبز أتناولها وعائلتي (۴ أفراد) مساء”.
ومنذ ۴ سنوات، أصبحت أم زهير المعيل الوحيد لعائلتها المكوّنة من ۳ أطفال لا يتجاوز أكبرهم ۹ سنوات. وكحال هذه السيدة الأربعينية تضطر نساء سوريات إلى مزاولة أعمال مُجهدة ومضرّة بالصحة البدنية والنفسية، وأخرى لا تناسب أعمار بعضهن، وسط أسوأ أزمة معيشية وخدمية تشهدها البلاد منذ اندلاع النزاع في مارس/آذار ۲۰۱۱٫
وإلى جانب العمل في بيع الخبز على الطرقات، تلجأ نساء في دمشق وريفها إلى “جمع البلاستيك” من الشوارع والأماكن العامة وحاويات القمامة لإعالة أسرهن.
وتعمل مها (۳۷ عاما) -من سكان الغوطة الشرقية في ريف دمشق- إلى جانب ابنها (۸ أعوام) وابنتها (۱۱ عاما) في جمع مخلّفات البلاستيك من حاويات القمامة والطرقات والحدائق في دمشق منذ سنتين.
وتقول مها للجزيرة نت إن هذا العمل وحده قادر على إعالتها وأطفالها، فجمع البلاستيك يضمن لها دخلا يوميا مقبولا مقارنةً بغيره من الأعمال التي لا تكفي لاستئجار “كومة حجارة نسكن فيها”، حسب تعبيرها.
وتتقاضى مها ۷ آلاف ليرة (نحو دولار واحد) مقابل كل ۱۰ كيلوغرامات من البلاستيك تتمكن وأولادها من جمعها، وتجمع أسرتها ما بين ۲۰ و۳۰ كيلوغراما يوميا.
وتضيف مها “لقد مقتنا حياتنا من رائحة الأوساخ التي لا تفارق أنوفنا طوال اليوم، ولكن إما هذا العمل أو أن نموت جوعا”.
وأكثر ما يثير الحسرة في نفس مها هو تخلّف طفليها عن الدراسة للسنة الثالثة على التوالي، ففي حين تجيد الفتاة (۱۱ عاما) القراءة والكتابة بعض الشيء، فإن أخاها (۸ أعوام) أميّ بالكامل.
وتضطر أمّهات في دمشق وريفها إلى السماح لأبنائهن وبناتهن بالخروج من المدرسة (التسرّب) للعمل وإعالة أنفسهم تحت وطأة الظروف المعيشية الخانقة، وانعدام الدعم وغياب المعيل.
وكان وزير التربية في حكومة النظام السوري دارم طباع كشف -في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- عن أن نسبة التسرب المدرسي بلغت ۲۲% من إجمالي عدد الطلاب في مرحلة التعليم الإلزامي في مناطق سيطرة النظام.
وتعد معامل إنتاج المنظّفات وتقشير البطاطا المنتشرة بكثرة في مدن ريف دمشق أكثر ما يوفر فرص العمل للنساء في مناطق سيطرة النظام.
ويبدأ الدوام في معظم تلك المعامل في السابعة صباحا ولا ينتهي إلا بحلول التاسعة مساء، تتخللها ساعة استراحة واحدة. وتقول ميساء (۲۵ عاما) -عاملة في معمل لإنتاج المنظفات في ريف دمشق- إن أجور العاملات في المعمل بدوام جزئي (۷ ساعات) يصل إلى ۱۱۰ آلاف ليرة (۱۷ دولارا) شهريا، في حين يصل أجر النساء العاملات بدوام كامل (۱۳ ساعة) إلى ۲۲۵ ألف ليرة (۳۵ دولارًا).
وتضيف الفتاة العشرينية المتزوجة حديثًا للجزيرة نت “أحتاج هذا العمل لأساند زوجي في المصروف وإيجار الشقة. جرّبت أن أعمل دواما جزئيا، لكنه لم يكن كافيا لإعالتنا، ولكنني اليوم بالدوام الكامل ولا أجد وقتا للطهو أو الاهتمام بالمنزل أو بزوجي. أعود منهكةً، ولا أرى أمامي سوى فراش النوم. وفي آخر المطاف لا تبقى معي من الراتب ليرة بحلول منتصف الشهر”.
وإلى جانب الإنهاك المستمر، تعاني ميساء من سعال تحسّسي توقظها نوباته ليلا لشدة قوتها، وتقول “أوضح لي الطبيب أن المواد التي أشمها يوميا في المعمل سامة، وأنه لا بد لي من ترك العمل أو ارتداء الكمامة بشكل محكم أثناء تعبئة المواد أو خلطها”.
ورغم مداومة ميساء على دوائها وإحكامها الكمامة على فمها وأنفها أثناء العمل، فإنها لا تزال تعاني من نوبات السعال التي تباغتها بين حين وآخر.
ويشير تقرير للأمم المتحدة عام ۲۰۲۱ إلى أن ۲۲% من الأسر السورية تعيلها نساء، بسبب فقدان كثير من العائلات عائلها من الرجال.
المصدر : الجزيرة