اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
كانت نصيبة محمدي (۱۵ عاماً) تدرس في الصف العاشر في مدرسة “بي بي مهرو” في العاصمة الأفغانية كابول، وكانت تتطلّع لأن تكمل دراستها وتتخرج من المدرسة وتدرس الطب لتصبح طبيبة أطفال. لكن بعد سيطرة طالبان على كابول، تلاشت أحلامها. تقول لـ “العربي الجديد”: “جاءت طالبان وأغلقت المدارس في وجوهنا. كنت أظن أن القرار سيكون مؤقتاً، وستفتح المدارس لاحقاً. لم أتخيل أن طالبان ستتسبب في ضياع سنتين من حياتنا. مع الأسف، فعلت ذلك ولا تزال تواصل سياساتها، غير أنها لا تدرك مشاعرنا وأنه كانت لدينا أحلام كبيرة تتلاشى مع مرور الوقت”.تذهب نصيبة إلى مدرسة دينية على مقربة من منزلها، علماً أنها كانت تفعل ذلك حتى قبل إغلاق المدارس. في الوقت الحالي، تعيد دراسة ما حفظته بهدف إشغال نفسها وعدم البقاء في المنزل والتشاجر مع إخوتها وأخواتها في ظل الضغوط النفسية. كانت نصيبة تتوقع أن تعلن طالبان فتح المدارس خلال الاحتفال بيوم الاستقلال (خروج القوات الأميركية من أفغانستان المصادف لـ ۱۵ شهر أغسطس/ آب الجاري)، وخصوصاً أن الكثير من رواد التواصل الاجتماعي قد أشاعوا الخبر، كما أعلن عنه في بعض المدن عبر مكبرات الصوت مساء يوم الإثنين الماضي، منها مدينة جلال أباد، إلا أن ذلك لم يتحقق، ليصيبها اليأس مع غيرها من الطالبات.فرشتة عبد العزيز (۲۶ عاماً) تعاني بدورها. كانت تدرس القانون في جامعة كابول، وتأمل أن تكون محامية أو قاضية، وكانت شديدة التأثر بأستاذتها شيماء التي كانت قاضية في إحدى محاكم أفغانستان. بعد مجيء طالبان إلى السلطة، هربت أستاذتها من البلاد وبقيت هي بلا دراسة وبلا جامعة. تقول لـ “العربي الجديد”: “أحياناً، أتضايق كثيراً وأفكر في الانتحار ثم أتذكر أمي وإخوتي وأخواتي الصغيرات. كانت أمي تحلم أن أصبح قاضية. يملك أبي بقالة صغيرة قرب منزلنا في منطقة كمبني، وكانت العائلة ترغب في أن أنهي دراستي وأحصل على وظيفة جيدة كي يرتاح والدي بعدما بات متقدماً في السن. لكن في الوقت الحالي، تلاشت كل تلك الأحلام بسبب طالبان”. وتسأل: “لماذا تنسب قضية منع الفتيات من التعليم إلى الدين؟ ما تقوله طالبان غير صحيح. ديننا الحنيف لا يمنع النساء من التعليم بل يحث الجميع على العلم وتحمل الأعباء والمصاعب في هذا الشأن”.خلال الأشهر الماضية، باتت تعاني من اضطرابات عصبية وباتت عاجزة عن النوم من دون أقراص منومة. في الوقت نفسه، امتنعت عن تناول أدوية الأعصاب. لكن إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فلا مفر منها، بحسب ما تقول. تضيف أن صديقاتها وزميلاتها يعانين أيضاً، علماً أن معظمهن لم ييأسن، ويتوقعن أن تفتح جامعاتهن عاجلاً أم آجلاً، لكن المشكلة الأساسية هي ضياع الوقت. من جهة أخرى، تشير إلى أنها تتعرض لضغوط من أقربائها للزواج، علماً أنها غير مستعدة لذلك حالياً. حلمها الوحيد هو إكمال الدراسة ومساعدة والدها. وفي الوقت الحالي، تساعد أشقاءها وشقيقاتها في الدراسة، ووالدتها في الأعمال المنزلية. تجدر الإشارة إلى أنه عقب وصولها إلى السلطة، منعت طالبان فتح المدارس المتوسطة والثانوية أمام الفتيات، ثم أغلقت الجامعات الحكومية والخاصة أمام الفتيات والنساء في ديسمبر/ كانون الأول عام ۲۰۲۲٫ واتخذت عائلات كثيرة قراراً بالهجرة إلى الخارج بهدف تعليم بناتها، فيما تستعد أخرى إلى المغادرة. كما ارتفعت نسبة الاضطرابات النفسية بين الفتيات المحرومات من التعليم.
في هذا السياق، تقول الناشطة الأفغانية صفية وزيري لـ “العربي الجديد” إن “حكم طالبان لأفغانستان كان له بعض الإيجابيات على المجتمع، باستثناء الفتيات والنساء، بسبب حرمانهن من التعليم”، لافتة إلى أن لذلك “تبعات كثيرة، منها ارتفاع نسبة الاضطرابات النفسية بين الفتيات، والزواج المبكر، والعنف الأسري، وغيرها”. وتوضح أن المجتمع الدولي الذي لطالما تفاخر بالعمل من أجل تحسين أحوال النساء، اكتفى بالتفرج على أحوالهن في أفغانستان، ولم يفعل شيئاً. وتؤكد أن لدى المجتمع الدولي الكثير من الأوراق التي تخوله الضغط على طالبان كي تسمح للفتيات بالتعليم. تتابع: “نحن الشعب الأفغاني مسلمون، ونحب القوانين الإسلامية والدينية، ونريد من طالبان تطبيقها، ولكن نريد منها أن تسمح لنا بالتعليم وأن تفتح المدارس في وجه الفتيات، إذ إنّ استمرار إغلاق المدارس بحجة تطبيق الشريعة يشير إلى عدم فهم الدين فهماً صحيحاً، كما أنه ظلم في حق الفتيات والبلاد”.
وباءت كل المحاولات الشعبية والدولية والنداءات من داخل الحركة والقيادات بالفشل. ولم تؤد إلى تغيير قرار زعيم الحركة الملا هيبت الله أخوند زاده ومن حوله من القياديين. وأقالت الجامعات أعداداً كبيرة من الموظفين والكادر العلمي بسبب الظروف المعيشية الصعبة، إذ إنّ الجامعات الخاصة في أفغانستان تعتمد كلياً على الرسوم الذي يدفعها الطلاب الذكور والإناث، وكان عدد الطالبات في الجامعات الخاصة أكثر من النصف مقارنة بعدد الذكور. لذلك، باتت على وشك الانهيار، وبالتالي فإن الكثير من الموظفين مهددون بالبطالة. وخلال الأسابيع الماضية، أطلق مثقفون ومثقفات حملة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام يدعون الحكومة الأفغانية من خلالها لمراجعة قرارها بشأن تعليم الفتيات، ويطالبون المجتمع الدولي بمحاورة طالبان لإقناعها. كما طلبت الحملة من الأفغان، وتحديداً الزعامات القبلية، محاورة حكومة طالبان بجدية، لأنها قد تكون الجهة الوحيدة التي بإمكانها أن تثني حكومة طالبان عن قرارها.
من جهته، يقول الأكاديمي الأفغاني وفي الله نور لـ “العربي الجديد” إن المشكلة الأساسية هي أن طالبان، وخصوصاً زعيمها ومن حوله لا يسمعون لأحد، لا للمثقفين ولا للنساء ولا حتى للقادة من داخل طالبان، على الرغم من أن لقرار إغلاق المدارس والجامعات تبعات ثقيلة على كل من الحكومة والشعب، وهي ذريعة بيد المجتمع الدولي كي لا يعترف بحكومة طالبان. ويرى أن المجتمع الدولي لا يعترف بحكومة طالبان لأسباب عدة وحسابات مختلفة، لكن تعليم المرأة ذريعة قوية بيده. كما أن المعارضين لحكومة طالبان يتخذون من هذا الجانب وسيلة لشن حملات دعائية ضد طالبان، ولكن الحركة مصرّة على موقفها. يضيف أنّ حكومة طالبان كانت تؤكد في البداية أنّ القرار اتخذ من أجل وضع آلية عمل لفتح المدارس، ولكن مضى عامان واختارت الصمت. الجميع في حالة من الترقب، ولا يعرف ماذا سيحل بمستقبل النساء، خصوصاً إذا استمر الوضع على ما هو عليه. لكن القيادي الأهم في طالبان توريالي همت (لا يشغل أي منصب ولكن له وزنه في الساحة الإعلامية والثقافية) أكد في حديث مع قناة “طلوع” المحلية في العاشر من الشهر الجاري أنه قريباً سيسمع الشعب الأفغاني أخباراً سارة بشأن ثلاث قضايا مهمة، هي: تعليم النساء، وقضية القانون الأساسي، وعلم أفغانستان.
وكان براون قد أعلن يوم الثلاثاء أن “الرأي القانوني الذي تلقيته يؤكد أن حرمان الفتيات الأفغانيات من التعليم والنساء الأفغانيات من العمل يعد تمييزاً على أساس جندري، ويجب اعتباره جريمة ضد الإنسانية، كما يجب أن تتم مقاضاته من قبل المحكمة الجنائية الدولية”. وشدد على ضرورة أن يكثف المجتمع الدولي جهوده لاستعادة الفتيات والنساء الأفغانيات لحقوقهن الأساسية كالتعليم والعمل وحرية التنقل وإنهاء ما أسماه البعض بـ “أبارتهايد على أساس جندري” ضد النساء والفتيات. وأعطى في هذا السياق مثالاً على إصدار طالبان ۵۴ فتوى من أصل ۸۰، استهدفت بشكل صريح حقوق النساء والفتيات. ولفت إلى أن الحظر وصل مؤخراً إلى درجة منعهن من المشاركة في الامتحانات الجامعية وزيارة الأماكن العامة، بما فيها المقابر. وحدد براون عدة أمور يجب القيام بها من أجل إحراز تقدم والضغط على طالبان، أولها نظر المحكمة الجنائية الدولية بالموضوع، والاعتراف بالتمييز بين الجنسين كجريمة ضد الإنسانية، والتحقيق فيها بهدف توجيه الاتهامات للمسؤولين عنها ومقاضاتهم.
إلى ذلك، أطلق صندوق “التعليم لا يمكن أن ينتظر” التابع للأمم المتحدة مبادرة تحت شعار “أصوات الفتيات الأفغانيات” #AfghanGirlsVoices، وتهدف إلى نشر التوعية عالمياً بشأن قضية تعليم الفتيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال الشهرين الجاري والمقبل، لتوصل أصوات الفتيات والنساء الأفغانيات تزامناً مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في ۱۸ و۱۹ سبتمبر/ أيلول المقبل.
المصدر : العربي الجدید