اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
في الظاهر، تحمل تلك الجمعيات مسألة حماية المرأة من العنف على رأس أولوياتها. تحشد كل طاقاتها “النسوية” لإيجاد قضيّة تتوافق مع أجندة مموليها ــ والتي باتت معروفة ــ لتصنع من “الحبة قبّة”. لكن ثمّة سؤال بديهي يُطرح اليوم بعد استشهاد نحو ۱۸۰۰ سيدة وفتاة و۳۰۰۰ طفل فلسطيني: أين تقف تلك الجمعيات من مناصرة المرأة الفلسطينية؟!. ماذا فعلت على الأرض لنُصرة تلك المرأة وذاك الطفل اللذين لم يتعرّضا للعنف فحسب بل قُتلا بدم بارد؟ ونحن هنا لا نتحدّث عن امرأة وامرأتين أو طفل وطفلين، نتحدّث عن الآلاف. ويُضاف للشهداء مئات الآلاف من النساء الثكالى والمعذّبات والمشرّدات، ومثلهن أطفالًا.
السؤال عن “صمت” تلك الجمعيات حيال حرب غزة، يُحيلنا تلقائيًا الى حادثة وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني في أيلول ۲۰۲۱ والتي استغلها النوع المذكور من الجمعيات محليًا وعالميًا للتصويب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي وُصفت بأقبح العبارات ظلمًا وعدوانًا. أما اليوم، فتبدو تلك الجمعيات في سُبات عميق إزاء ما يحصل. إحدى هذه الجمعيات لدى سؤال المعنيين فيها عن الخطوات التي اتخذت لمناصرة المرأة والطفل الفلسطينيين في حرب غزة تهربوا من الإجابة. في البداية طُلب إرسال السؤال عبر “الإيميل” لتحويله للمعنيين، فكان لهم ما أرادوا. بعدها، جرى الاعتذار بأنّ المخوّلة بالإجابة منهمكة في اجتماعات خارجية ولن يكون بمقدورها الإجابة قبل يومين أو ثلاثة أيام. سؤال بهذه البساطة، تحتاج الإجابة عنه الى كل هذا الوقت!.
ماذا يمكن للشخص أن يفعل؟ لا أعلم!
السؤال أعلاه وُجّه لرئيسة جمعية “كفى” زويا روحانا الجمعية التي تُعد الأبرز في هذا المجال، فكان الردّ “نحن على تواصل مع بعض المنظمات الفلسطينية ونعقد دائمًا الاجتماعات لنتمكّن من المساعدة في هذه الظروف”. ماذا أنجز حتى الآن؟ تقول روحانا: “صُغنا أكثر من بيان نشرَ على “السوشيال ميديا”، وأرسلنا بيانًا وجّهنا فيه شكوى للأمم المتحدة، بصراحة كل ما يمكن فعله حاليًا هو الضغط الإعلامي، أكثر من ذلك في هذه المرحلة لا يمكننا””. وعندما قيل لها: كنا نراكم تتحركون على الأرض في أكثر من قضية لماذا لا تتحركون اليوم؟ ردّت روحانا بالقول: “ثمّة احتمالات للنزول على الأرض، ولكن الفكرة لم تتبلور بعد، لا يمكننا النزول وحدنا، يجب أن نكون أكثر من جهة”. قبل أن تُعيد قولها: “أكثر ما يمكننا فعله إصدار بيانات، أكثر من ذلك ماذا يمكن للشخص أن يفعل؟ لا أعلم”.
وردًا على سؤال، لا تُخفي روحانا أنه لا يوجد خطة واضحة لدى الجمعية في ما يتعلق بكيفية مناصرة المرأة الفلسطينية أكثر، تقول: “نسعى جهدنا لإعلاء الصوت، ماذا يمكن للفرد أن يفعل أكثر من ذلك؟ لا فكرة لديّ، اذا سنحت الظروف لتقديم مساعدات سنقدّم، لكن الظروف لا تسمح الآن”.
قضية الشهيدة فرحات خارج نطاق اختصاصنا!
لدى مقاربته سياسة “الكيل بمكيالين” التي تتّبعها الجمعيات غير الحكومية التي تدّعي مناصرة المرأة، يعود الكاتب والباحث السياسي علي مراد بالذاكرة الى مجزرة الطيونة واستشهاد السيدة مريم فرحات. حينها، وُجّه سؤال صريح لتلك الجمعيات: لماذا لم تصدروا أي موقف أو تعليق حول اغتيال الشهيدة فرحات؟ انتظر المعنيون في الجمعيات بضعة أيام قبل الإجابة بشكلٍ موحّد ومنسّق معتبرين بكل وقاحة أن “قضية الشهيدة فرحات خارج نطاق اختصاصهم”. وفق مراد، كانوا يخبروننا بهذه الإجابة أنهم أذرع وأدوات للأجندة الغربية ونظام الهيمنة الغربي والاستعمار الجديد، وهم يحاولون تنفيذ أجندة في مجتمعاتنا بالقوة الناعمة.
لمصلحة “إسرائيل”
وفي سياق قراءته وتحليله لسلوكها، يلفت مراد الى أنّ توجه هذه المنظمات وخلفياتها تظهر بشكل جليّ في الأزمات الكبرى التي تضرب مجتمعاتنا فتكشف السلوكيات الأجندة الخاصة لتلك الجمعيات التي تعتاش على التمويل الغربي عمومًا سواء الأوروبي أو الأميركي. وعليه، ساد صمت تلك الجمعيات خلال الإبادة الجماعية في غزة للمرأة والطفل والإنسان الفلسطيني لأنّ نظام الهيمنة اليوم يعتبر أن هذه الإبادة معركته ومعركة قاعدته المتقدّمة في خاصرتنا. وبالتالي، أي كلام سيصدر عن هذه المنظمات للدفاع عن حق الفلسطينيين بالحياة في غزة أو لإدانة القتل الجماعي الذي يحصل للنساء والأطفال ستترتب عليه عقوبة كما حصل مع منظمات المجتمع المدني الفلسطينية بـ ۱۶ الشهر الجاري، حين أعلنت مجموعة من ۳۳ منظمة في بيان رفضها للابتزاز الغربي والإعلان عن قطع التمويل عنها بذرائع متنوعة أهمها أنّها لم تقم بما كان ينبغي لها لجهة إصدار بيانات تتماهى مع الأجندة الغربية وإدانة عمل المقاومة والانجياز للرواية الغربية.
يوضح مراد أنّه تحدّث الى بعض المديرين والمسؤولين عن تلك الجمعيات الفلسطينية، وقالوا بوضوح إنّ “الغرب أيقن بهذه المعركة أنه فشل في تدجين وتطويع المجتمع الفلسطيني عبر تسخير القوة الناعمة التي يموّلها، وكان يظن أن البرامج التي استثمر فيها لسنوات في المجتمع الفلسطيني كان سيجني ثمارها في مثل هكذا حدث”. لكنّ حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر واكتشف الغرب العكس. المنطلقات الوطنية هي التي تحكم ولا يمكن لهذه المنظمات الفلسطينية أن تدين شعبها إرضاء لمصالح الغرب في هذه المعركة الوجودية. بينما على الضفة اللبنانية ــ يقول مراد ــ نجد أن هناك منظمات مجتمع مدني تتلقى دعمًا غربيًا مستعدة لكي تصمت أولًا وتُدين العمل المقاوم في ظل هكذا ظروف، ونحن نتحدث عن إبادة وخطر كبير يتهدّد لبنان وشعبه، ومع ذلك يخرجون بكل وقاحة ويحاولون تبخيس العمل المقاوم لمواجهة العدوان.
كل هذا التجاهل لمصلحة “إسرائيل” أولًا وأخيرًا، يقول مراد. وفق قناعاته، “اسرائيل” هي القاعدة المتقدّمة للغرب الاستعماري في منطقتنا، وعندما يُثبت لنا هؤلاء ــ أي من يُديرون هذه المنظمات ــ أنهم أكثر من أي وقت مضى مستعدون لأن يتخذوا مواقف أو يصمتوا بناء على رغبة المموّل الغربي الذي يموّل في الوقت نفسه “اسرائيل”، فهذا إعلان واضح أنهم في الجبهة الأخرى.
المهمة الأساسية لهذه الجمعيات تفتيت المجتمع وضرب الأسرة
يوضح مراد أنّ في لبنان عشرات الجمعيات غير الحكومية المتخصصة بقضايا المرأة، ينشط منها تقريبًا نحو ثمانية جمعيات. المهمة الأساسية الموكلة اليها هي تفتيت المجتمع وضرب الأسرة لإضعاف الروح المعنوية التي تُقاتل العدوان. لذلك، يُفتضحون اليوم في ظل هذه الحرب، لأنهم في صمتهم يقتلون المرأة الفلسطينية. وهو الصمت الذي لم نره في حادثة مهسا أميني لأنّ أجندتهم باختصار هي أجندة حلف “الناتو” المتمثّلة بالهجوم على إيران والادعاء بقمع المرأة واضطهادها، بينما يتجاهلون قضايا النساء الحقيقية في مجتمعنا. على هذه المنظمات أن تعلم أن ما قبل هذه الحرب ليس كما بعدها، يختم مراد حديثه.
لا شكّ أنّ خروج هذه الجمعيات عن صمتها وخوضها تحركًا احتجاجيًا على الأرض لن يُعيد للأم الفلسطينية المفجوعة ولدها الشهيد. تمامًا كما لن يُعيد للطفل المفجوع بشهادة والدته الحضن الدافئ الذي افتقده. لكن السؤال عن تحرك هذه الجمعيات هو فقط لتذكيرها بشعارها المرفوع لمناصرة المرأة والذي على ما يبدو يُفرّق بين امرأة وأخرى.
المصدر : الوفاق