اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
الحاجة جليلة عبدالتواب، ابنة قرية الخطاطبة بمركز السادات في محافظة المنوفية، تحكي لـ«الوطن» كواليس ثلاثة عمليات أجرتها في منطقة العينين أفقدتها البصر بشكل كامل، بعدما وُلدت طفلة «حلوة» بحسب ما أخبرتها والدتها، فـ تعايشت مع عجزها البصري راضية بقضاء الله حتى بلغت السادسة عشر، تركت أسرتها وانتقلت برفقة ابنة خالتها إلى إحدى جمعيات المكفوفين في القاهرة: «روحت مع المكفوفين واتعلّمت صناعة السجاد، وتعبئة وتغليف، ومحو أمية وخدت بيهم ۳ شهادات».
ومن القاهرة إلى طنطا، انتقلت السيدة الخمسينية برفقة صديقتها إلى إحدى جمعيات المكفوفين هناك، واستقلت سكنًا خاصًا لمدة ۴ سنوات، إذ دفعتها غربتها وبقائها في بلد بعيدة عن أسرتها في تعلم الطهي الذي كان «مرة يصيب ومرة يخيب» على حد تعبيرها: «اتعلمت الطبخ لوحدي لما كنت في السكن قبل ما أتجوز، بس طبعًا مش كل الحاجات، وباقي الأكل اتعلمته بعد الجواز».
وعلى مدار الأعوام التي قضتها الحاجة جليلة في الجمعية، التقت بزوجها الذي لاطالما رافقها في العمل، كونه يعاني من نفس إعاقتها البصرية، وقررا أن يتغلّبا على ظلام أعينهما ببعضهما البعض، فصار كل منهما عينًا للآخر، وتمت الخطبة وبعدها جاء الزواج، ليختبرا الحياة معًا، ويواجهان تحديات العيش، إذ كان كل منهما يتقاضى ۶۰ جنيهًا من الجمعية بما يساوي ۱۲۰ جنيهًا في الشهر: «والدة زوجي في الأول كانت معترضة وقالت له متاخدش واحدة كفيفة دي هتولعلك في الشقة، وأبويا بردو كان معترض وقالي متاخديش واحد كفيف، بس وقفنا قدام أهلنا ووافقوا والحمد لله اتجوزنا».
رزق الحبيبان بثلاثة أطفال مبصرين هم محمد وأحمد وآلاء، ومع متطلبات المعيشة؛ شقّت السيدة الخمسينة طريقها في التجارة لتغطية مصاريف أسرتها، بين شراء الملابس «البالة»، أو شراء الفاكهة بسعر الجملة وبيعها قطاعي، أو تشارك الفلاحين حصد المحصول: «كنت بساعد جوزي في مصاريف الدروس والمدارس عشان ولادنا يتعلموا، والحمد لله مخلتش حاجة إلا لما عملتها، اشتغلت كتير وتعبت كتير، وجوزي اتعلم عزف الأورج وكان بيشتغل على قدّه في الأفراح، والحمد لله ربنا هاديلي ولادي عشان أنا مقبلتش حاجة حرام عليهم».
ومن التجارة إلى المطبخ، قررت أن تتجه إلى مهنة الطهي، وتنقل خبرتها إلى الفتيات من المبصرين وغيرهنّ، مستخدمة أسلحتها من الشم والتذوق وسنوات خبرتها داخل المطبخ، فـ مثلًا تستخدم حاسة الشم حتى تتأكد من «قدح الزيت»، أما السمك المقلي تستدل على احمراره بحاسة «المعلقة»، أما الشعرية عند تحميرها تعطي رائحة مميزة تجعلها تنهال عليه بطبق الأرز، ثم يأتي «المحشي والسمك المقلي والمكرونة البشاميل والأرز المعمر» لينضموا إلى أفضل الأطباق التي تتقنها: «مفيش أي حاجة بتقابلني صعبة في المطبخ، قليّة بقلي، صواني بحط في الفرن، أكل فوق على العين بعمل، محاشي وخضار وحلويات بعمل، لكن مفيش أي حاجة بتقابلني صعبة، ومحدش علمني، أنا بالممارسة علّمت نفسي وتطلع وحشة أو تطلع حلوة أديني بجرب».
كانت تجربة تعليم «جليلة» الفتيات الطبخ بسبب كثرة حالات الطلاق التي كان سببها إخفاقهم داخل المطبخ خاصة غير المبصرين: «كل شوية كان بيقابلني حالات طلاق بسبب إنّ البنات دي محدش علّمها المطبخ ومحدش قالها تعمل إيه، فـ كانت الجوازة بتفشل بعد كام شهر جواز، وهم زمايلي ومني وأنا حاسة بيهم عشان أنا زيهم».
«نفسي في مطبخ يكون مقر ثابت ليا وأنا أعلم البنات ومش مشكلة أي حاجة».. بهذه الكلمات عبّرت الحاجة جليلة عن أمنيتها التي ترغب في تحقيقها في القريب العاجل حتى تتمكن من تدريب أكبر قدر من الفتيات المكفوفين على الطهي، خاصة وأنّ منزلها لا يتسع لهذا القدر من الفتيات اللاتي يرغبن في تعلم الطهي: «دي هتبقى فرحتي بجد وعملي الطيب اللي أنا هعمله».
المصدر : الوطن