اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
لعبت العديد من العوامل والأسباب الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، دوراً مهماً في علو أو تدني دور المرأة في المجتمع الفلسطيني عبر التاريخ الفلسطيني المعاصر. ومما لا شك فيه أن هذه العوامل مجتمعة تركت بصماتها على أداء ودور المرأة في الساحات السياسية والنضالية عبر هذا التاريخ الطويل. وعند النظر إلى مفاعيل المجتمع الفلسطيني، نجد أن واقع المرأة الفلسطينية اختلف عن واقع المرأة العربية بشكل جوهري، وهذا يتضح عند مراجعة السياق التاريخي الذي أنتج واقع كل منهما. وبالنظر إلى ذلك، نجد أن المرأة الفلسطينية قابعة ضمن ثلاث دوائر من التحدي، تتمثل في التحدي القومي المتمثل بوقوع المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي، والتحدي الطبقي المبني على الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وتحدي التمييز في النوع الاجتماعي الممارس ضدها ضمن مجتمع تتنازعه الثقافة التقليدية والفهم الرجعي في كثير من الأحيان.
الهوية الوطنية أولوية عند المرأة الفلسطينية
وساهمت في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية وتعزيزها. لقد هدفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ومن خلال السياسة القمعية التي انتهجتها إبان الانتفاضة الأولى، إلى كسر صمود الشعب الفلسطيني، وشطب الهوية والموروث الوطني الفلسطيني. لذلك تعرضت الهوية الفلسطينية إلى استهداف مباشر، وبات الحفاظ على الهوية الوطنية من أولويات المرأة الفلسطينية لإدراكها أهمية دورها وانعكاسه على مسيرة نضال الشعب الفلسطيني سياسيا، واقتصاديا، وثقافيا. لقد دأبت المرأة الفلسطينية على تكريس الهوية بطرق عدة متأصلة ومستمدة من عناصر الواقع الذي تعيشه. وللمرأة الفلسطينية قدرة مميزة في الحفاظ على الهوية الفلسطينية، حيث ابتدعت أساليب مختلفة يمكن ذكرها في هذا السياق، كالذاكرة والحكاية/ التاريخ الشفوي والتعبير بالفن والحياكة، أو التطريز الفلسطيني”.
الذاكرة:
إن طبيعة المرأة، وأسلوب عيش النساء الفلسطينيات، كلها عوامل لعبت دورا أساسيا في تنمية قدرة المرأة على الاهتمام بالتفاصيل وتذكّر الأحداث. فتواجدها الدائم في المنزل ومحيطه بحكم العادات والتقاليد قوّى من قدرة المرأة على رؤية الأشياء بتفاصيلها ودقة في حفظها. للذاكرة دور أساسي في الحفاظ على الهوية والتاريخ الفلسطيني لدحض الرواية الصهيونية، وإفشال المحاولات الإسرائيلية لاستبدال الرواية الفلسطينية، بالتالي طمس الهوية وبعثرة الذاكرة الوطنية الجمعية، التي يحرص الفلسطيني على التمسك بها وتجذيرها ونشرها، كما وأن الذاكرة تعتبر المحور الأساسي للتاريخ الشفوي ومصدر أساسي له.
الحكاية أو التاريخ الشفوي
تستكمل الحكاية والتاريخ الشفوي دور المرأة وإمكانيتها في حفظ الذاكرة، والتدقيق في تفاصيلها، والتاريخ الشفوي ذو أهمية ومكانة رفيعة بالنسبة للفلسطينيين نتيجة غياب السجلات والوثائق ذات العلاقة بالأحداث التاريخية التي مر بها الشعب. تأتي أهمية الحكاية في الفرصة التي تتيحها عبر أساليبها المتعددة لإعطاء المرأة مساحة من الحرية للإفصاح عما كان يدور في خلجاتها، وشعورها، والأحداث التي مرت بها. بالتاريخ الشفوي ربت الأم أطفالها على حب فلسطين، ومعرفة تاريخها، والانتماء لها مهما كانت الظروف، فتجد الأم الفلسطينية منهمكة في محاولة نقل الذاكرة وزراعة الإيمان بحق العودة والحرية لدى أبنائها. لذلك تعتبر المرأة أن من واجبها وكجزء من نضالها، أن تنقل التاريخ بين الأجيال، والحرص على إبقائه حيا قادراً على الصمود في وجه السياسات التهويدية المستمرة منذ بداية الاحتلال، كتلك المتمثلة في تدمير القرى الفلسطينية وإخفاء أية معالم تدل على عروبتها، والقلب الكامل والقسري المتعمد لتركيبة فلسطين الديموغرافية واستكمال الاستيطان…الخ فشعبنا مدرك لهذه السياسات، لذلك تراه يحاول – حتى بأبسط الطرق- الحفاظ على فلسطينية المكان والهوية.
التراث والفن
في سبيل الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، دأبت المرأة الفلسطينية على إتقان فن التطريز اليدوي والحياكة، حيث نشاهد أثوابهن وقد تلونت بألوان العلم الفلسطيني ورموز التراث الشعبي من المطرزات، مثل شكل المفتاح للتعبير عن التمسك بحق العودة، والزيتون والأرض للتعبير عن معاني ومكانة الأرض في وجدان الشعب الفلسطيني وقضيته. ومن خلال هذا النوع من الفن؛ استطاعت المرأة أن توثق وتقص معاناة الشعب الفلسطيني بكافة تفاصيلها. وقد تجلى الحفاظ على الهوية والموروث الثقافي في تطريز وصناعة الكوفية الفلسطينية -رمز الانتفاضة- وفي ثنايا حياكتها، وارتدائها تأكيدا منها على أهمية الحفاظ على معالم تراث وثقافة شعب متراكمين على أرضه منذ عصور. ضمن هذا السياق، يتضح مدى التصدي والتحدي للمحاولات الممنهجة التي يقوم بها الاحتلال لسرقة ونسب تراث الشعب الفلسطيني لتاريخ مزعوم، في أثناء محاولاته طمس الهوية الوطنية الفلسطينية وإبعاد الأجيال الفلسطينية القادمة عن ماهية تلك الهوية وعناصرها.
إنصاف دور المرأة والإحاطة بحضورها
لم يكن من السهولة بمكان الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية بكافة أشكالها وتجلياتها، فمشاركة فئات المجتمع المختلفة وتفاعل دور المرأة الايجابي بهذا الصدد كانا أمرين لابد منهما. إن الدور الذي لعبته المرأة الفلسطينية اظهر وجه وقدرة للمرأة الفلسطينية في ميادين النضال الفلسطيني، حيث لعبت دورا أساسيا في مواجهة الاحتلال، تؤديه بداية من المنزل كإسعاف المرضى أو الحياكة، إلى الشارع حيث المظاهرات والمواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي. وعلى الرغم من المساهمة البناءة للمرأة الفلسطينية في تحديد وصون الكيانية الفلسطينية، إلا انه يوجد نقص في الأبحاث والدراسات التي تتحدث عن دور المرأة الفلسطينية في الحفاظ على الهوية الوطنية ومقاومة الاحتلال. وعلى الرغم من تطرق بعض الكتاب والباحثين إلى دور المرأة الفلسطينية، غير أن ذلك يعتبر غير كاف للإلمام بدور المرأة على مستوياته المختلفة، لذا يجدر بالباحثات والباحثين الوقوف على أبعاده، علهم يستطيعون إنصاف دور المرأة والإحاطة بحضورها وآفاق تطلعاتها النابعة من ماض يعتز به كل من آمن بفلسطين الوطن والقضية.
المصدر : الوفاق