اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
في غزة ، لا تعني نهاية الحرب بداية للهدوء، بل بداية أخرى : بداية لترميم الأرواح قبل الجدران ، للبحث عن الذات وسط الركام ، ولإعادة تعريف الحياة في مدينة أنهكها الحصار وأثقلتها المجازر.
في تقرير صادم كشفه المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، تم توثيق سلسلة من الانتهاكات الجنسية والتعذيب الممنهج الذي مارسه الاحتلال الإسرائيلي داخل مراكز الاعتقال والتحقيق، مستهدفًا معتقلين فلسطينيين — رجالًا ونساءً — جرى الإفراج عنهم مؤخرًا.
حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، من العراقيل المتواصلة التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي أمام إدخال المواد الحيوية المنقذة للأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد في قطاع غزة.
في خيمة مهترئة بمخيم نزوح في الزوايدة، تجلس الأم والجدة السبعينية رؤوفة الدباغ، تحاول التماسك أمام 15 حفيدا فقدوا آباءهم جميعا في لحظة واحدة. ملامحها الغائرة وعيناها المرهقتان بالبكاء تعكس ألم الأم التي فقدت أبناءها الخمسة محمد، وفلاح، وجهاد، وصلاح، ومصطفى، في زهرة شبابهم وكانوا يشكلون سندها الوحيد.
تُكمل اليوم، الصحفية سمية جوابرة، من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، عامين في حبسها المنزلي، وتقف -كما اعتادت طوال هذه المدة- تودّع أطفالها كل صباح عند باب المنزل حين يخرجون إلى المدرسة، لكنها لا تجرؤ على تجاوزه.
شاركت لاعبة منتخبنا الوطني للكاراتيه، مريم بشارات، في مؤتمر "المرأة في الرياضة"، الذي عقد بالعاصمة السعودية الرياض، وضم شخصيات رياضية نسوية بارزة من الدول العربية، وقد رافقها والدها ومدربها أمين بشارات.
تحت خيوط الشمس الحارقة، تجلس "أم محمد" من نساءغزة، أمام قطع قماش متصلة مهترئة لا تكاد تشبه المأوى، وفي يدها وعاء بلاستيكي تغسل فيه ملابس أبناؤها، في طقس يومي يشبه طقوس البقاء لا الحياة، فرضته ظروف النزوح والعيش القسري في الخيام .
في لحظة ما، تختصر الحياة كلها في حقيبة. حقيبة لا تكفي حتى لحمل الذكريات، لكنها تحاول جاهدة أن تحتضن بقايا البيت، رائحة الوسادة، صورة الطفل، ونسخة مصغّرة من “الحياة السابقة”. في الزوايدة، حيث الخيام مؤقتة لكن الخوف دائم، وحين يصبح اليوم الواحد أطول من أعمارنا، تتولّد حكايات لا تصل إلى نشرات الأخبار، لكنها تعيش وتتنفّس بيننا. نزحنا من بيوتنا، لكننا لم ننزح من كرامتنا، ولم نخلع حبنا لهذه الأرض التي كلما نزفنا فوقها، ازدادت خصوبة.
على مدى عامَين من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر، لم تسلم النساء من فصول هذه الحرب الدامية، فقد قُتلت آلاف منهنّ وأصيبت أخريات فيما فقدت كثيرات أحبّة وعشنَ النزوح والجوع والحرمان. وكانت وكالات مختلفة تابعة للأمم المتحدة قد حذّرت، في أكثر من مرّة، من أنّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هي "حرب على النساء". وفي الإطار نفسه، عبّرت مقرّرة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضدّ المرأة ريم السالم عن قلقها "العميق" إزاء ما تتعرّض له الفلسطينيات من عنف وصعوبات في "جحيم حقيقي".
في هذا العالم الذي يركض بسرعة الضوء، ينهض جيل غزة كأنه يحمل الشموع ويسير عكس الريح. ليس لأننا ضعفاء، بل لأننا نعرف تمامًا قيمة النور حين يكون العالم حولنا مظلمًا. نحن جيل لا يملك ترف الانتظار. لا ننتظر انجلاء الغيم كي نحلم، بل نحلم تحته، وتحت النار، وتحت الحصار. الحياة لا تُقاس بما نملكه، بل بما لا نتخلى عنه… عن الحلم، عن الكتاب، عن الكلمة.