الكتاب يسعى إلى تعزيز مسارات الكتابة الأدبية والفنية الموجهة للطفولة ويوثق تجارب الكتاب العمانيين في هذا المجال.

“أراجيح تتأمل صورتها في النبع”.. توثيق للنتاج الثقافي الموجه للطفل العماني

يستعرض كتاب “أراجيح تتأمل صورتها في النبع” ملامح النتاج الثقافي الموجه للطفل في سلطنة عمان، عبر مجموعة من الدراسات النقدية التي تتناول قضايا السرد القصصي، ومسرح الطفل، والمبادرات الثقافية، والإبداع القصصي الموجه للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.

ويأتي الكتاب، الصادر عن مؤسسة بيت الزبير، ضمن الجهود الأكاديمية لتعزيز مسارات الكتابة الأدبية والفنية الموجهة للطفولة، وتوثيق تجارب الكتاب العمانيين في هذا المجال، بما يعكس اهتمام سلطنة عمان بالطفل كعنصر فاعل في بناء المجتمع المعرفي.

هناك اهتمام بإبراز الموروث العماني في أدب الطفل في سلطنة عمان، من خلال القصص والأشعار التي تتناول العادات والتقاليد المحلية مثل التعامل مع الوالدين والأقارب والجيران والأصدقاء والاحتفال بالأعياد، والأفراح، واللباس التقليدي، وأهمية المجالس العمانية في تبادل المعرفة وما يرافقها من استقبال الضيوف ومناسبات العزاء والأفراح واللقاءات التشاورية، وتعزيز الهوية الإسلامية من خلال أناشيد وقصص تحكي القيم الدينية والتعاليم الإسلامية بطريقة مبسطة تناسب الأطفال

يمكن تلخيص أبرز ملامح أدب الأطفال العماني في المزج بين التراث والحداثة، حيث تقدم الأشعار والقصص بأسلوب حديث ولكنها تحافظ على الروح التراثية، مع التركيز على التعليم والتوجيه الأخلاقي من خلال الأناشيد والحكايات ذات الدروس المستفادة، والتفاعل مع القضايا المعاصرة مثل حماية البيئة واستخدام التكنولوجيا ولكن برؤية محلية، والاعتماد على الأسطورة والموروث الشعبي لإثراء الخيال وتعزيز الفخر بالهوية.

نفس التوجه ينسحب على المسرح الموجه للطفل إذ يبحث المسرحيون العمانيون عن تأصيل الهوية الثقافية العمانية في مسرح الطفل في سلطنة عمان، من خلال الأسس والنتائج، وذلك ضمن رؤية تؤمن بأن المسرح ابن بيئته ويستمد جميع منابعه من المصادر التي تمده بالإبداع من النص والممثلين والمخرجين من الهوية التي كونتهم.

وتفتتح خلود البوسعيدية الكتاب بدراسة عن “الفضاء السردي في القصة الموجهة للطفل” عبر قراءة تحليلية في قصص الكاتبة بسمة الخاطرية، مبينة دور الفضاء السردي في توجيه الطفل نحو القيم الأخلاقية والتربوية.

أما نورة الهاشمية فتقدم دراسة بعنوان “المبادرات الثقافية الموجهة للطفل”، متناولة نموذج برنامج “هيا نقرأ” لجمعية العطاء الخيرية، مؤكدة أهمية دعم المبادرات المجتمعية المعززة لثقافة الطفل وتوسيع نطاقها المؤسسي والإعلامي.

ويتناول الدكتور محمود كحيلة تجربة مسرح الطفل العماني، منوها بأهمية تعزيز المحتوى الموجه للطفل من خلال لجان تربوية متخصصة، وضرورة اعتبار المسرح الطفولي ركيزة ثقافية وإنسانية في منظومة الأمن الاجتماعي.

وفي دراسة تحليلية لقصص الأطفال في سلطنة عمان، يوثق محمد شمشاد عالم القاسمي المراحل التاريخية التي مر بها هذا النوع الأدبي منذ عام ۱۹۹۲، ويعرض محطات تطوره عبر ثلاث مراحل رئيسة: الأولى مرحلة التأسيس ۱۹۹۲-۱۹۹۶، والثانية مرحلة ما بعد التأسيس ۱۹۹۶-۲۰۰۶، والثالثة هي المرحلة المعاصرة منذ ۲۰۰۷ حتى الآن.

وفي محور آخر، يعرض يونس بن علي المعمري دراسة بعنوان “التحدي والاستجابة في القصص الموجهة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة”، مقدما توصيات تعزز حضور هذه الفئة في الخطاب القصصي، وتدعو للاهتمام بالجانب الفني والنفسي في معالجة القضايا المطروحة. وتتوقف ليلى عبدالله عند “صناعة شخصيات قصص الأطفال في زمن الألفية” من خلال نموذج الكاتبة أمامة اللواتية، مبينة الطابع الجاد والناضج لشخصياتها، بما يعكس رؤية موجهة ورسالة تربوية واضحة.

ويسهم الباحث التونسي الراحل الدكتور محمد الغزي بدراسة حول “الواقعية الخرافية” في مسرح عبدالرزاق الربيعي، موضحا تفاعل نصوصه مع التراث الشعبي برؤية تجديدية تتجاوز النقل إلى إعادة التوليد الفني.

وتختتم شيخة عبدالله الفجرية الكتاب بدراسة عن “بائع الحكايات في عمان قديما”، داعية إلى إجراء مسح شامل للحكايات العمانية الشفهية وتصنيفها وتوظيفها في الإنتاج الدرامي المعاصر، بما يحفظ الذاكرة الشعبية ويثري المحتوى الثقافي الوطني.

ويمثل الكتاب إضافة نوعية إلى المكتبة العمانية في مجال أدب الطفل سواء القصصي أو الموجه إلى النشاط المسرحي، ويسهم في ترسيخ مكانة هذا الحقل الإبداعي في سياق النهضة الثقافية التي تشهدها سلطنة عمان، والتي تراهن بشكل واضح على الأطفال بما يمثلونه من مستقبل الثقافة، وهو ما يعيه العمانيون وهم يقدمون موادهم لأجيال المستقبل، في اعتماد على الأدب والفنون لتشكيل شخصية الطفل وصقل مواهبه وأفكاره ورؤاه وترسيخ هويته.

العرب