اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تقرّب المنظومة القانونية الجزائرية من المعايير الدولية لحقوق المرأة، لكنها في الوقت ذاته فجّرت جدلا حادا بين مؤيدين اعتبروها مكسبا تاريخيا للنساء، ومعارضين اعتبروها تهديدا للأسرة وتنازلا أمام الضغوط الخارجية.
وجاء القرار ثمرة تراكم جهود الجمعيات النسوية ومنظمات المجتمع المدني التي مارست ضغطًا متواصلًا عبر التقارير الموازية وحملات التوعية، ليؤكد أن المساواة لن تتحقق فعليًا إلا إذا رافق القرار إصلاح شامل لقانون الأسرة، ودمج مفاهيم العدالة الجندرية في السياسات العمومية والثقافة المجتمعية.
وعلى عكس ما روجت له بعض الأصوات في الأيام الأخيرة، فإن رفع هذا التحفظ لن ينجر عنه إجراء أي تعديلات على القوانين الوطنية، على اعتبار أن المقاربة الجزائرية بشأن هذا النوع من الاتفاقيات على وجه الخصوص تعتمد على تعديل التشريع الداخلي أولا ثم رفع التحفظات المسجلة على الصعيد الدولي في مرحلة ثانية.
انقسام الجزائريين بين من يرحب بتحقيق إنجاز جديد في ميدان ترقية حقوق المرأة، وبين من يحذر من مغبة الانسياق أكثر فأكثر نحو نماذج لا تتماشى مع عادات وتقاليد الشعب الجزائري
وعلى إثر القرار، انقسم الجزائريون بين من يرحب بتحقيق إنجاز جديد في ميدان ترقية حقوق المرأة، من جهة، وبين من يحذر من مغبة الانسياق أكثر فأكثر نحو نماذج لا تتماشى مع عادات وتقاليد الشعب الجزائري، من جهة أخرى.
ووصف “صوت النساء” أحد أهم منابر النسوية في الجزائر، رفع التحفظ بأنه أكثر من مجرد إجراء قانوني، بل نقطة تحول رمزية تؤكد أن حقوق المرأة لم تعد قابلة للمساومة بين التشريعات الوطنية والالتزامات الدولية.
وبحسب “صوت النساء” فإن التحفظ الجزائري كان انعكاسًا لبنية اجتماعية وثقافية كرست سلطة الزوج باعتباره “رئيس العائلة”، ومنحته سلطة تقريرية في السكن والإقامة، وأن إلغاءه اليوم يمثل إعادة الاعتبار لاستقلالية المرأة داخل الأسرة
وقال الصحافي محمد علواش إن القرار خطوة هامة نحو التحرر النهائي للمرأة من القيود الشرعية والعرفية التي كبّلتها لعقود طويلة، مؤكدا أن هذا المرسوم الرئاسي منح المرأة الجزائرية حرية الخروج والتنقل والسفر داخل الوطن وخارجه من دون الحاجة إلى إذن الزوج أو الولي.
وأوضح أن الخضوع لسلطة “الولي” أصبح أمرًا اختياريًا وليس إجباريًا، ما يضع على عاتق الدولة ضرورة تعديل قانون الأسرة القائم لإلغاء مواده التي تتعارض مع الاتفاقية. وطرح علواش تساؤلات حول مدى تأثير هذا القرار على شروط الزواج نفسها، خصوصًا في ما يتعلق بموافقة الولي، معتبرًا أن الاعتراف بحرية المرأة في التنقل يفتح الباب لمراجعة أوسع لأحكام الزواج التقليدية.
بدوره، أوضح المحامي والناشط الحقوقي يوسف بودينة أن القرار لا يعني بالضرورة تغييرات جذرية في التشريعات، لكنه قد يمنح المنظمات النسوية أرضية أقوى للمطالبة بإصلاحات أعمق، مشيرا إلى أن الجزائر ما زالت تتحفظ على مواد أخرى من “سيداو.”
وشدد قانونيون على أن رفع التحفظ يضع الدولة أمام التزام صريح بملاءمة تشريعاتها الوطنية، وعلى رأسها قانون الأسرة، مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ما قد يفتح الباب أمام نزاعات أسرية جديدة أمام المحاكم.
وجاء القرار في مرسوم رئاسي نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ ۱۷ أغسطس الجاري، بعد نحو ثلاثة عقود من انضمام الجزائر إلى الاتفاقية عام ۱۹۹۶ مع إبداء تحفظات على عدد من بنودها.
وعلى الصعيد الرسمي، اعتبر الإجراء امتدادا للالتزامات الجزائر الدولية في مجال حقوق الإنسان، فيما يرى خبراء القانون أن الخطوة قد تمهّد لمراجعات أوسع في قانون الأسرة، الذي يستند في كثير من أحكامه إلى الشريعة الإسلامية.
رفع التحفظ يضع الدولة أمام التزام صريح بملاءمة تشريعاتها الوطنية، وعلى رأسها قانون الأسرة، مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان
ويعيد هذا النقاش إلى الواجهة الجدل المستمر منذ ثمانينيات القرن الماضي حول موقع المرأة في التشريع الجزائري، بين تيارات تطالب بإلغاء قانون الأسرة المستمد من الشريعة الإسلامية، وتيارات أخرى تتمسك به باعتباره ضامنا لبنية الأسرة وحماية لقيم المجتمع.
وعن خلفية هذا القرار لدى القطاعات والهيئات المعنية، أفادت مصادر لوكالة الأنباء الجزائرية بأن الأمر يتعلق بمجرد إجراء تقني أملاه زوال السبب الذي أدى إلى تحفظ البلاد على نص المادة ۱۵ الفقرة ۴ بمناسبة مصادقتها على الاتفاقية سنة ۱۹۹۶٫
وكانت الجزائر قد تحفظت آنذاك على خمسة أحكام لتعارضها مع القوانين الوطنية، لاسيما قانون الأسرة وقانون الجنسية.
وموازاة مع التطورات التدريجية التي شهدها التشريع الجزائري، رفعت البلاد عددا من هذه التحفظات، على غرار ما تم سنة ۲۰۰۵ عندما بادرت الجزائر برفع تحفظها عن أحكام الاتفاقية التي تقر حق الأم في نقل جنسيتها إلى أبنائها، وهو الإجراء الذي تم اتخاذه عقب تعديل قانون الجنسية، وفق ذات المصادر.
وبخصوص التحفظ الذي تم رفعه مؤخرا، فهو يتعلق بالمادة ۱۵ فقرة ۴ من الاتفاقية التي تنص على المساواة بين الرجل والمرأة في حق اختيار مقر الإقامة والسكن.
وقد تحفظت البلاد على هذه المادة سنة ۱۹۹۶، استنادا إلى أحكام المادة ۳۷ من قانون الأسرة آنذاك. غير أن هذه المادة قد تم إلغاؤها سنة ۲۰۰۵، وبالتالي، فإن التحفظ الجزائري قد فقد سبب وجوده ولم يعد يستند إلى أي أساس قانوني في التشريع الوطني.
كما أن هناك نقطة هامة تتمثل في أن إبقاء التحفظ على نص المادة ۱۵ فقرة ۴ كان يستغل من قبل الجهات المعادية للجزائر للترويج لدى المنظمات الحقوقية بأن البلاد تكرس تمييزا بين الرجل والمرأة بخصوص الحق في التنقل والسكن، وذلك بالرغم من أن القانون الجزائري لا ينص أساسا على أي تدابير تقييدية على المرأة في هذا الشأن، وفق ما ورد في الوكالة.
العرب