ارتفاع قياسي في قضايا الخلع بمصر يعقد حلول أزمة الطلاق

خيّر البرلمان المصري غلق ملف تعديل قانون الخلع لما وجده من رفض من قبل منظمات نسوية ترى فيه ملاذا آمنا للنساء اللواتي استحال عليهن العيش مع أزواجهن. وترى المؤسسة الدينية في مصر أن الخلع حق شرعي للمرأة مثلما الطلاق حق للرجل. لكن البيانات الرسمية تقر بأن النساء أصبحن يلتجئن إلى الخلع لأسباب واهية ساهمت في تدمير الأسرة.

 سجّلت نسب الطلاق بالخلع في مصر أعلى معدل في تاريخها على الإطلاق، بعد أن ارتفعت بنسبة ۸۳٫۳ في المئة أخيرا، مقارنة بسنوات سابقة، وفق تقرير رسمي صادر عن جهاز الإحصاء الرسمي، في ظاهرة صادمة تتحدى خطط الحكومة لتحجيم الطلاق، والذي أصبح من أعلى المعدلات في العالم.

ودفعت الإحصائية إلى تصاعد المطالبات في مصر لتعديل قانون الخلع، لأنه بات سببا رئيسيا في هدم الكثير من العلاقات الزوجية، سواء أكان ذلك عائدا إلى أسباب مقنعة أم إلى مبررات واهية، حيث لم تعد تكل نقابة المأذونين عن اتخاذ موقف صارم تجاه استسهال الخلع.

وتصطدم الحكومة المصرية بتوافق نادر وغير محدود بين الأزهر والكثير من هيئات المجتمع المدني النسائية، لاستمرار قانون الخلع كحق للمرأة في تطليق نفسها، لأنها لم تعد ترغب في استمرار العلاقة الزوجية أو تقبل أن تتعرض لابتزاز وضغوط متواصلة كي تتنازل عن حقوقها ولم يعد أمامها سوى خلع الزوج عن طريق المحكمة.

وتسعى الحكومة للبحث عن مخرج يُرضي كل الأطراف، للحد من ظاهرة الطلاق في البلاد بعد أن واصلت مصر احتلال المرتبة الأولى عالميا في الانفصال، لكنها أصبحت تصطدم برفض نسائي لتعديل قانون الخلع.

وهناك موقف ثابت لشيخ الأزهر أحمد الطيب يقف فيه مع السيدات ويقول إن الخلع حق شرعي للزوجة وثابت في القرآن والسنة النبوية وأعطته الشريعة للزوجة التي تكره زوجها وتريد فراقه، مقابل حق الطلاق الذي منحه الإسلام للرجل لإنهاء العلاقة.

أي تحرك لتعديل القانون لمجرد أن هناك من تستسهل الخلع، سيكرس إذلال وقهر من ترغب في الانفصال لمبررات منطقية

ويوحي تركيز الإعلام الرسمي التابع للحكومة على عيوب قانون الخلع وتداعياته وارتفاع معدل الطلاق من خلاله، بوجود نوايا لإقناع الرأي العام بحتمية إجراء تعديلات على القانون، حيث يُساء استخدامه ويهدم العلاقات بأسهل الطرق.

ومنذ الإعلان عن الارتفاع التاريخي في معدلات الطلاق بالخلع، يطل أعضاء نقابة المأذونين الشرعيين على الناس من نوافذ إعلامية مختلفة، للدعوة إلى حتمية إعادة النظر في نصوص القانون، ووضع معايير صارمة لاستخدام المرأة هذا الحق.

ويرى متابعون لأزمة الطلاق في مصر أن تسليط الضوء على أزمات الخلع بجدية أو سخرية، وتعمد أو صدفة، يبدو محاولة للفت انتباه دوائر صناعة القرار بعدم التركيز فقط على أزمات الطلاق الشفهي، لأن كوارث الخلع كبيرة وتهدم العلاقات الزوجية بلا ضوابط، وتتسبب في حدوث مشكلات أسرية مزمنة.

ومع كل طرح برلماني أو إعلامي للمشكلات الأسرية والاجتماعية التي يتسبب فيها الخلع، تنتفض المنظمات النسوية المعنية بشؤون المرأة، لتوجه خطابها إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لفرملة كل تحرك ينزع عن الزوجة حقها في الطلاق بحرية، والمطالبة بعدم تكبيلها بقيود تمنعها من ذلك.

وناقش مجلس النواب المصري تعديلات مقترحة قدمها برلمانيون حول قانون الخلع، لتقتصر الأسباب على السماح للزوجة بطلب الطلاق عن طريق القضاء الأسري، إذا تضررت من الناحية الفسيولوجية (حالات العجز الجنسي) فقط.

قانون الخلع في مصر يمنح أي زوجة الحق في تطليق نفسها عن طريق قاضي محكمة الأسرة متى أرادت

وارتفعت أصوات حقوقية نسائية ضد البرلمان واتهمت نوابه بمحاباة الرجال والتعامل بعنصرية مقيتة ضد السيدات، ما دفع مجلس النواب إلى غلق الملف كليا، والإبقاء على القانون كما هو دون تغيير، خشية الدخول في صدام مع النساء.

وتبرر بعض المنظمات النسوية التي تتمسك باستمرار قانون الخلع كما هو، بلا تغيير أو تقييد للدوافع الكامنة خلفه، بأنه يصعب تفصيل مبررات بعينها للخلع لا تتوافق مع جميع السيدات، وبعضهن يعانين من أزمات غير مدرجة في القانون وتستوجب الطلاق.

وترى تلك الأصوات أن الخلع يظل الملاذ الآمن للمتزوجات اللاتي يرغبن في التحرر من سجن علاقة سيئة، وأي تحرك لتعديل القانون لمجرد أن هناك من تستسهل الخلع لأسباب ضعيفة، سيكرس إذلال وقهر من ترغب في الانفصال لمبررات منطقية.

وتُتهم مصريات بخلع أزواجهن لأسباب لا تستحق أن تكون دافعا إلى انهيار العلاقة، ولم تكن موجودة عند إقرار القانون قبل ۲۴ عاما، بل كانت الأسباب آنذاك مقبولة ومنطقية، لأن المرأة كانت واعية وتحافظ على أسرتها حتى آخر لحظة.

ويكتشف المتابع للتقارير الصادرة عن محاكم الأسرة في مصر حاليا بسهولة لأي درجة أصبحت هناك طلبات للطلاق بالخلع لأسباب بعضها مثير للسخرية والريبة، لكن لا يملك القاضي إلا أن يحكم للمرأة بالطلاق لأن القانون لم يحدد أسبابا بعينها.

النسبة الأكبر من قضايا الطلاق بالخلع تقع في الفئة العمرية بين النساء الأقل من أربعين عاما

ويمنح قانون الخلع في مصر أي زوجة الحق في تطليق نفسها عن طريق قاضي محكمة الأسرة متى أرادت، طالما تمسكت باستحالة العشرة مع شريكها، مقابل أن تتنازل عن كامل حقوقها المادية والأدبية ولا تحصل على نفقة ومؤخر وسكن.

ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن أغلب حالات الطلاق بالخلع يكون سببها الرجل، عندما يتعمد دفع زوجته إلى رفع قضية حتى تخسر كل حقوقها ولا يكون ملتزما بأي شيء، بحيث يكون الخلع طوق النجاة من الأذى.

ورغم ذلك، وفق قولهم، فإن وضع ضوابط للخلع مطلوب للحفاظ على الأسرة شريطة عدم إجبار الزوجة على حياة لا تقبلها، وتكون أسباب الطلاق مرتبطة باستحالة استمرار العلاقة بين الزوجين والحل في يد القضاء لإنهاء العلاقة.

وأكدت هالة حماد استشارية العلاقات الزوجية وتقويم السلوك أن الارتفاع التاريخي لمعدلات طلاق الخلع يتطلب وقفة حاسمة، وهذا لا يعني تقييد أسباب الانفصال، بقدر ما يستهدف الأمر عدم وجود حالة من الاستسهال لهدم العلاقة الزوجية.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “الأمر بحاجة إلى تقنين المبررات المنطقية للخلع، ويكون هناك دور أكبر للعائلة بالتدخل لتجاوز المشكلات الصغيرة عبر التفاهم والتشارك وتقريب المسافات، لأن الاستمرار على نفس الوتيرة خطر على المجتمع”.

وأوضحت أن “ظاهرة الخلع جزء منها يحرر الكثير من الزوجات من قيود العائلة، ويمكنهن من التمسك بالاستقلالية واختيار القرار الشخصي بكل شجاعة، وإن كان ذلك يصلح في بعض الحالات، لكن المطلوب من الأسرة هو أن يصبح لها دور توعوي تجاه الابنة”.

وكشفت إحصائية الحكومة أن النسبة الأكبر من قضايا الطلاق بالخلع تقع في الفئة العمرية بين النساء الأقل من أربعين عاما، وهي إشكالية ترتبط بغياب الوعي بقدسية العلاقة الزوجية والاصطدام بتحمل المسؤوليات دون أن تكون للمرأة قدرة على ذلك.

وبعيدا عن سُبل حل الأزمة، فإن الكثير من الشواهد تعكس ضرورة تقنين الخلع ليكون إثبات الضرر بوقائع مثبتة تؤكد استحالة استمرار العلاقة، كأن تتعرض الزوجة لأذى جسدي وعنف معنوي يتم توثيقه بشهادة الشهود من أجل غلق باب الخلع لأسباب واهية.

المصدر: العرب