الإدمان وتشرد الأطفال يقلقان السلطات في تونس

تواجه السلطات التونسية المختصة في شؤون الطفولة ظاهرتي التشرد وإدمان المخدرات عبر الترفيع في نسبة تغطية الخدمات ما قبل المدرسية وتطوير المناهج التعليمية بمؤسسات الطفولة المبكرة. كما تسعى إلى تعزيز الإرشاد النفسي والاجتماعي عبر تركيز خلايا الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدة الأطفال وأسرهم في التعامل مع التحديات والضغوط النفسية. وتسبّبت الأزمة الاقتصادية في تنامي عدد الأطفال المشردين بالبلد.

تبحث السلطات التونسية عن حلول للحدّ من المخاطر التي تهدّد الأطفال المشرّدين في الشوارع، بعد أن تسبّبت الأزمة الاقتصادية وكذلك الاجتماعية في دفع نحو أكثر من مليون تلميذ إلى خارج المؤسسات التعليمية في السنوات العشر الماضية. وقد سُجّل تزايد في أعداد الأطفال المهملين في شوارع تونس، علماً أنّهم يُستغَلّون من قبل شبكات التسوّل، إلى جانب استغلالهم جنسياً واقتصادياً.

كما نشر المعهد الوطني للصحة (مؤسسة حكومية) السنة الماضية نتائج استطلاع أظهرت أن أكثر من ۱۶ في المئة من تلاميذ المدارس يجدون سهولة في اقتناء مادة القنب الهندي مثلا من مروجي المخدرات، لتصبح مسألة تسرّب آفة استهلاك المخدرات وترويجها إلى المدارس قضية أمن قومي، تشغل الكثير من التونسيين، مجتمعاً وسلطة.

وتبذل السلطات التونسية جهودا كبيرة لتطويق الظاهرتين عبر تعزيز الجانب الوقائي في الإحاطة بهذه الفئة من الأطفال منذ مرحلة الطفولة المبكرة. وأفادت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، أسماء الجابري، بأن الوزارة تعمل على الحد من ظاهرتي الإدمان وتشرد الأطفال عبر تعزيز الجانب الوقائي في الإحاطة بهم منذ مرحلة الطفولة المبكرة قصد بناء ناشئة متوازنة.

وأكّدت في هذا الخصوص سعي الوزارة، خلال سنة ۲۰۲۵، إلى الترفيع في نسبة تغطية الخدمات ما قبل المدرسية والتركيز على المناطق ذات الكثافة السكانية وتطوير المناهج التعليمية بمؤسسات الطفولة المبكرة وذلك بالشراكة مع الوزارات المعنية بهدف تعزيز تربية الناشئة على ثقافة الحوار والتسامح ونبذ العنف وتكريس القيم الأخلاقية.

كما سيتم، حسب الجابري، تعزيز الإرشاد النفسي والاجتماعي عبر تركيز خلايا الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدة الأطفال وأسرهم في التعامل مع التحديات والضغوط النفسية، وتنظيم حلقات حوارية للأطفال حول السلوكات السلبية المحفوفة بالمخاطر والإدمان والعنف والتنمر وكيفية تجنبها ونبذ مظاهرها إضافة إلى وضع دعائم اتصالية موجهة للأسر والأطفال وتعميمها بمختلف المؤسسات ذات الصبغة الاجتماعية الراجعة بالنظر للوزارة.

وتعمل الوزارة أيضا على دعم الأنشطة الثقافية والرياضية بمؤسسات الطفولة وتشجيع الناشئة على المشاركة فيها وتنمية مهارات الأطفال في المجال العلمي والتكنولوجي فضلا عن إعداد ومضات تحسيسية حول دور الأسرة في الوقاية من الإدمان بكافة أشكاله وحماية الأطفال من الإدمان الرقمي والإدمان على المخدرات.

وعلى مستوى التعهد، أفادت الجابري ، في ردّها على تدخّلات النواب خلال الجلسة العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، المخصصة لمناقشة مهمة الوزارة لسنة ۲۰۲۵،بأن الوزارة ستوظف ۴۰ مندوب حماية للطفولة خلال الأيام القليلة القادمة لتعزيز سلك مندوبي حماية الطفولة والحد من حالات تشرد الأطفال مؤكدة حرص هذا السلك على التصدي لظاهرة الإدمان، عبر مختلف الآليات القانونية ومن خلال التعهد بالأطفال الواردة في شأنهم إشعارات حول استهلاكهم لمادة مخدرة وإحالتهم إلى أقسام الطب النفسي للأطفال بالمستشفيات.

وبخصوص المراكز المندمجة للشباب والطفولة، ستعمل الوزارة على إعادة هيكلة هذه المؤسسات من خلال مراجعة وتطوير الإطار القانوني والتنظيمي وتدريب وتأهيل جميع المتدخلين وتعزيز خدمات الرعاية خارج المؤسسة وإصلاح آليات المتابعة والتقييم وتوسيع برامج الدعم الأسري والتركيز على الرعاية اللامؤسساتية. ويعاضد المجتمع المدني جهود السلطات التونسية في البحث عن حلول للحدّ من المخاطر التي تتهدّد الأطفال المشرّدين في الشوارع وكذلك محاربة ظاهرة الإدمان.

وكشفت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ عن ۱۷۵۸ إشعاراً عن أطفال مشرّدين ومهمَلين في الشوارع في عام ۲۰۲۲، إلى جانب تلقّي مندوبي الطفولة ۵۰۰ إشعار حول استغلال الأطفال اقتصادياً. وأعلنت الوزارة عن إطلاق خطة للتعهّد بأطفال الشوارع، بالتعاون مع منظمات مدنية تهدف إلى إعادة دمج هؤلاء في مراكز رعاية متخصّصة أو لدى أسر كافلة لهم.

وتهدف الخطة إلى تخصيص أماكن تستقبل أطفال الشوارع نهاراً، وذلك باعتمادات بقيمة ۱٫۵ مليون دينار تونسي (نحو ۴۸۰ ألفاً و۷۷۰ دولارا) وبطاقة استيعاب في حدود ۱۵۰ طفلاً يومياً. كذلك، سوف تتيح هذه الخطة خدمات الاستقبال والإنصات والتوجيه وخدمات الإعاشة النهارية، وتأمين الرعاية المؤقتة لأطفال الشوارع، بالإضافة إلى المتابعة الصحية والرعاية النفسية.

وقال رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل المشاركة في إستراتيجية التعهّد بأطفال الشوارع معز الشريف، إنّ “الخطة تستهدف رعاية ۱۵۰ من أطفال الشوارع والعمل على إعادة دمجهم في مرحلة أولى، على أن يُصار إلى تعميمها على المدى المتوسط.” ولفت الشريف إلى أنّ “الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين ۱۲ و۱۸ عاماً هم الفئة المستهدفة بالخطة التي أُطلقت أخيرا،” لكنّه تحدّث عن “رصد حالات أطفال مشرّدين في الشوارع في سنّ مبكّرة جداً؛ نحو أربعة أعوام.”

وأكّد الشريف أنّ “الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ساهمت في السنوات الماضية في زيادة تشرّد الأطفال في الشوارع،” مشيراً إلى أنّ “مؤسسات الدولة مسؤولة عن حماية الأطفال، بالإضافة إلى واجب الأسر تجاه هذه الفئة المهدّدة.” وأضاف أنّ “الخطة تُنفَّذ للمرّة الأولى في تونس وتهدف إلى تحسين التعهّد بأطفال الشوارع، بما يسمح من الحدّ من هذه المخاطر ذات الصلة، وذلك عبر إعادة دمجهم اجتماعياً ودراسياً، إلى جانب تشجيع أسر على التكفّل بهم، مع ضمان المرافقة المستمرة لهذه الأسر من أجل إنجاح التجربة”.

وتم خلال سنة ۲۰۱۷ تسجيل ۲۲۵ محاولة اجتياز للحدود خلسة من قبل أطفال، منهم ۴ حالات دون سن الرابعة والبقية تتراوح أعمارهم بين ۱۳ و۱۸ سنة، وذلك حسب مؤشرات رسمية قام بتجميعها مرصد الإعلام والتكوين والتوثيق والدراسات حول حماية حقوق الطفل.

كما تم رصد ۳۰۸ حالة لأطفال في وضعية تشرد وتسول وتسكع خلال نفس الفترة، منهم ۵۰ حالة من الإناث، وفق أهم المؤشرات حول وضع الطفولة في تونس لسنة ۲۰۱۷ التي أعلن عنها مرصد حماية حقوق الطفل. وأفادت المديرة العامة لمرصد الإعلام والتكوين والتوثيق والدراسات حول حماية حقوق الطفل هاجر الشريف، أن المرصد قام بتجميع المؤشرات المتعلقة بوضعية الطفولة بتونس خلال سنة ۲۰۱۷ من خلال إحصائيات دقيقة تخضع لمقاييس علمية دولية، وفرتها المؤسسات العمومية الرسمية والوزارات.

وقالت الشريف إن “هذه المؤشرات المفزعة تهدد الطفولة في تونس ومردها التقصير الملحوظ من قبل الأسرة المعنية بحماية أبنائها من جميع المخاطر التي تهددهم.” وبيّنت أن ۶۳ في المئة من الإشعارات المتعلقة بتعرض أطفال إلى تهديد، تكون فيها الأسرة مصدر هذا التهديد، كما أن ۹۵ في المئة من الأطفال يتسولون بإيعاز من أوليائهم.

وأضافت أنه تم خلال نفس السنة تسجيل ۸۸۰ حالة اختفاء طفل من الأسرة، كما تفاقم عدد الجرائم المرتكبة من قبل هذه الفئة من ۲۵۴۰ جريمة سنة ۲۰۱۶ إلى ۳۶۴۰ جريمة سنة ۲۰۱۷ تتعلق بالخصوص بالسرقة والاعتداء بالعنف. كما تسمح الأسر بتشغيل أطفالها، حسب ما بينته الشريف مشيرة إلى أن نسبة الأطفال من الفئة العمرية ۵ إلى ۱۷ سنة الذين يمارسون نشاطا اقتصاديا تبلغ ۹٫۵ في المئة، منهم ۳۰ في المئة من مناطق الشمال الغربي التي لا تتجاوز فيها نسبة التمدرس ۶۵ في المئة.

المصدر: العرب