الاحتجاجات الطلابية دليل على وعي جديد في جيل الشباب الأمريكي على بشاعة الإمبريالية 

أكدت أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتورة "هالة ابو حمدان"، أن الاحتجاجات الطلابية هي "دليل على وعي جديد في الجيل الأميركي الصاعد الذي مكنته وسائل التواصل الحديثة من الوصول إلى حقيقة ما يجري ونقلت له بشاعة الامبريالية الأميركية".

وردة سعد: مظاهرات واعتصامات طلابية جامعية أذهلت العالم وصدمت مراكز القرار في الانظمة الغربية سيما في الولايات المتحده الاميركية.

صحوة شبابية أفشلت مساعي الأنظمة الرأس مالية في تحويل شعوبها لمجرد ” مستهلكين” فارغين من كل القيم ومغيبين عن مايجري في العالم.

وأثبتت التحركات في الأوساط الجامعية بأن القضية الفلسطينية رغم كل المحاولات لطمسها، لا تزال تتوقد محبة وايمانا بها في نفوس الاجيال الحالية رغم التنكيل بهم والعنف من قبل الشرطة بحقهم.

وحول هذا الموضوع، أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، الأستاذة وردة سعد، حوارا صحفيا مع، أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتورة “هالة ابو حمدان”، وجاء نص الحوار على النحو التالي:

دعينا نبدأ من آخر تطورات هذه المعركة التي فرضتها السلطات الاميركية مع محتجين سلميين، خاصة اننا شهدنا مثل هذه المظاهرات في أنحاء مختلفة من العالم.. فلماذا برأيكم لجأت السلطات الاميركية الى هذا العنف المفرط، والمعاملة الوحشية مع طلاب الجامعات الاميركية، ما الذي اخاف هذه السلطات؟

إن حمل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في الغرب وسواه شعارات حقوق الإنسان وحرياته، ليس سوى قالب تحاول أن تجمّل فيه صورتها، وقناع تخفي وراءه حقيقتها الإمبريالية الاستعمارية البشعة. وهي تخدّر شعوبها بادّعاء حملها لهذه القيم، بل أكثر من ذلك هي تدّعي في كل حروبها حماية القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتقوم بفلترة المعلومات التي تصل إلى الرأي العام الأميركي والعالمي من خلال السيطرة على كبرى الوسائل الإعلامية، فلا يصل إلى مواطنيها سوى الصورة الجميلة التي تريد ايصالها لهم.

إن تطور وسائل التواصل مكّن الشعوب من الوصول إلى المعلومات التي لم يكن بإمكانهم الحصول عليها في الحروب السابقة، ورأوا بأم العين بشاعة العدوان الذي يجري على غزة بالتواطؤ مع الولايات المتحدة والدول الغربية وبمساعدتهم. فكان لا بدّ للضمائر الحية في أميركا وفي أوروبا وفي مختلف أرجاء العالم أن تصحو للاعتراض على سياسات حكوماتهم. وهذا يشكّل خطراً كبيراً على الأنظمة الحاكمة في تلك البلدان ويقوّض كل السرديات التي بنتها عبر عقود طويلة من الزمن. من هنا، رأت السلطات الأميركية وغيرها(كما في فرنسا ) ضرورة إسكات هذه الاحتجاجات الطالبية التي يمكن لها أن تمتدّ إلى مختلف شرائح المجتمع، رغم أنه، برأيي، يمكن لهذا أن يؤدي إلى نتائج عكسية كما حصل في الستينات والسبعينات بسبب الحرب على فيتنام، وفي الثمانينات ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. وقد أدّت الاحتجاجات الطالبية في ذلك الوقت إلى انسحاب الولايات المتحدة من فييتنام وإلى سقوط نظام جنوب أفريقيا العنصري.

في اخر حلقات الارهاب الذي تمارسه السلطات الاميركية ضد طلاب الجامعات المحتجين على حرب الابادة في غزة، اطلاق مجموعات من المتطرفين الصهاينة واعوانهم للاعتداء على الاعتصامات السلمية.. لماذا تلجأ السلطات الى مثل هذه الاساليب التي عرفناها لدى بعض الانظمة الدكتاتورية ؟

لقد سبق وقلت إن الأنظمة في كثير من الدول الغربية تختبئ وراء شعارات الديمقراطية لممارسة دكتاتورية مستترة، لا يعي حقيقتها المواطن الذي يعيش حرية مقنعة، حيث يجري كي الوعي لدى الرأي العام بطريقة لا يحسّ من خلالها حقيقة النظام الذي يعيش فيه. والدليل هي قوانين معاداة السامية التي تقمع من خلالها أي إمكانية لانتقاد الصهيونية أو لمناصرة قضايا تحرير الشعب الفلسطيني من نير الاحتلال والاستيطان ، رغم أن ما ارتكب في حقه هو أبشع جريمة يمكن أن ترتكب ضد شعب من الشعوب وهي جريمة سلب وطن، وطرد من الأرض واستقدام شعوب أخرى للاستيطان مكانه.

إن الصهيونية لا تقتصر على اليهود، فهناك الصهيونية المسيحية الأكثر خطورة وهي التي؛ بسبب معتقداتها الدينية المتطرفة، ساندت وتساند الصهيونية اليهودية في عملية سلب أرض فلسطين واضطهاد شعبها. هؤلاء المتطرفين الصهاينة بمختلف فئاتهم هم الذين يتصدون للاعتصامات السلمية نظراً لأنها تشكل خطراً على مشروعهم في فلسطين وغيرها.

من جهة أخرى، لدى السلطات هناك مصلحة في إظهار هذه التحركات بمظهر معاداة اليهود فتطلق تحركات يهودية تفتعل مشادات بين العرب واليهود، فيبدو أن ما يقوم به الطلاب هو سبب لخلق توترات ومشاكل داخل الجامعات وداخل المجتمع الأميركي وتهديد الأمن والسلم المجتمعيين. وهذا ما تتذرع به إدارات الجامعات لاستدعاء الشرطة وفك الاعتصامات وهو ما يردده السياسيون أيضاً وعلى رأسهم بايدن نفسه.

كيف يمكن وصف هذه الاحتجاجات الطلابية العارمة، في مسار ازمة الامبريالية الاميركية، ولماذا فشلت آلة الدعاية وهندسة الافكار التي يجيدها الاعلام الصهيوني في السيطرة على عقول طلاب الجامعات في اميركا ؟

هذه الاحتجاجات هي دليل على وعي جديد في الجيل الأميركي الصاعد الذي سمحت له وسائل التواصل الحديثة من الوصول إلى حقيقة ما يجري ونقلت له بشاعة الامبريالية الأميركية التي تمارس أبشع أنواع استغلال الشعوب ومناصرة الصهيونية في إبادتها للشعب الفلسطيني وسلبه أرضه وطرده منها، وتعريض من بقي من هذا الشعب لأسوأ أنواع المعاملة سواء الفصل العنصري أو الاعتداء على المقدسات أو العدد الكبير للأسرى وتعذيبهم ومعاملتهم بشكل مهين لإنسانيتهم. بالإضافة إلى الاستيلاء على مقدرات البلد وحصار غزة وتجويع شعبها، وقضم الأراضي في الضفة الغربية، وزيادة المستوطنات، وعنف المستوطنين، واغتيال القادة وصولاً إلى جريمة الإبادة التي ترتكب اليوم في غزة.

هذه المظاهرات بقوة زخمها وابعادها الايديولوجية لم تشهدها عاصمة الامبريالية العالمية منذ حرب فيتنام.. في تلك الحرب كانت هناك خسائر بشرية اميركية حركت المشاعر.. فكيف تحولت غزة الى شرارة لانتفاضة طلابية واسعة؟ ولماذا عادت القضية الفلسطينية لتحتل مركز الصدارة بل العصب المحرك للتحولات في العالم ؟

لا شك أن التحركات الطالبية التي حصلت إبّان حرب فييتنام ونجاحها في الوصول إلى انسحاب القوات الأميركية من فييتنام، قد شكّلت الملهم الأول لهذه التحركات. واليوم، شاهد العالم أجمع، ومن ضمنه الأميركيون، بشاعة ما حصل في غزة، وانتشرت صور الأطفال الشهداء، وتهديم المستشفيات والمدارس والجامعات وكل أشكال الحياة، بحيث لم يعد ممكناً للإعلام الصهيوني ومن يناصره أن ينفي وقوع هذه الجرائم التي تصنف من أخطر جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. لقد شكل طوفان الأقصى نقطة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية حيث أعاد إحياء هذه القضية، وأعاد تذكير العالم بما يجري في فلسطين، وأن هناك شعباً يتعرض لأبشع أنواع التنكيل. ورغم تسليم القادة الفلسطينيين بالحل السلمي للنزاع عبر اتفاقات عديدة مثل أوسلو وغيرها، فإن المسار السلمي لم يؤدّ سوى إلى مزيد من الخسارة للفلسطينيين ومزيد من التغطرس للصهاينة. لعل هذه الدماء التي سفحت في غزة وفي الضفة وفي الجبهات المساندة لها تكون الشرارة التي تطلق مسار تحرير فلسطين. فلا حرية دون نضال. وما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة رغم فداحة التضحيات.

بصرف النظر عن النتائج المباشرة لهذه المظاهرات، هل سقط القناع عن الوجه القبيح للصهيونية وهيمنتها على القرار العالمي؟ وهل تحول الصراع من اجل تحرير فلسطين الى محور من محاور التحرر من هيمنة الصهيونية والامبريالية كما جاء في احد شعارات طلاب الجامعات الاميركية؟

إن المناهضين للصهيونية كانوا على علم بالوجه القبيح للصهيونية، سواء المسيحية أو اليهودية، وعملها المستمر للسيطرة على العالم وعلى قراره، لذلك هم قد ناضلوا ويناضلون باستمرار ضد هذه الهيمنة. الجديد بعد طوفان الأقصى هو كشف القناع عن حقيقة هذه الصهيونية الامبريالية أمام من كان غافلاً عنها وهذه أهم وجوه ما حصل ويحصل في غزة. وأتى القمع الوحشي الذي حصل للاعتصامات الطلابية السلمية، وما حصل من عنف تجاه الطلاب وتجاه أعضاء الهيئة التدريسية المتضامنة معهم ليعطي دليلاً إضافياً على سوء المتحكمين بالقرار العالمي وزيف ادّعائهم أمام شعوبهم بأنهم يحمون حقوق الإنسان وحرياته. لذلك، لا بدّ لهذه التحركات أن تتحول من مجرّد مطالبة بوقف العدوان على غزة، إلى نضال مستمر ضد الصهيونية التي تسوق الشعوب بشعارات فارغة حفظاً لمصالح أقلية سياسية واقتصادية متحالفة ليس فقط ضد شعوب العالم الثالث بل ضد الإنسانية جمعاء، بتحويلها الأفراد إلى عمال يكدحون لإثراء فئة قليلة من المسيطرين على القرار العالمي. هؤلاء يصوغون القوانين الدولية والقرارت التي تصدر بناء عليها بما يتلاءم مع مصالحهم الخاصة، فيسِمون بالإرهاب من يحاول التمرد على النظام العالمي الذي أقاموه، ويستصدرون القرارت الدولية بالعقوبات ضدّ من يرفع الصوت ضدّهم ويحرضون الشعوب ضد أي نظام لا يعمل وفقاً للمعايير التي رسموها. طوفان الأقصى أضاء على النوايا الفعلية لهؤلاء وألهم الاحتجاجات التي نشهدها حول العالم. ونأمل أن تستمر وتزداد، علّها تشكل اللبنة الأولى لتحرك عالمي يهدم النظام العالمي الظالم القائم اليوم.

المصدر: وکالة مهر للأنباء