اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
تخطو مصر بشكل جاد نحو تطبيق عقوبات مالية على الأسر التي تتعاطى مع الزواج المبكر للأطفال كأمر واقع، بعد أن أدرجت تلك العقوبة ضمن قانون الضمان الاجتماعي، وقالت اللائحة التنفيذية للتشريع الجديد إن من شروط الحصول على مساعدات حكومية عدم تزويج الصغيرات.
وهذه المرة الأولى التي تقرر فيها الحكومة التعامل مع الزواج المبكر بطريقة الترهيب المادي، لأنها تُدرك قيمة المساعدات الشهرية التي يتحصل عليها الفقراء من مشروع “تكافل وكرامة”، وتعتمد عليها شريحة كبيرة منهم في تسيير أمورهم المعيشية وسط ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة، وبالتالي يتمسكون بالدعم.
وأصبحت كل أسرة تُقدم على تزويج الطفلة في سن صغيرة، قبل بلوغها الثامنة عشر من عمرها، محرومة كليّا من أي دعم حكومي، سواء أكان ماديا أو في صورة سلع أساسية تُصرف على بطاقات التموين للبسطاء، كإجراء أخير ترى الحكومة أنه قد يكون فعالا في مشوار تخفيض معدلات الأمومة المبكرة إلى الحد الأدنى.
وتُدرك المؤسسات المعنية بمواجهة الزيجات المبكرة في مصر أن الشريحة الأكبر التي تقدم على هذا التصرف من البسطاء، حيث يتخلصون من عبء الفتاة مبكرا ويوافقون على زواجها قبل بلوغها السن القانونية، وهي معضلة تتعامل معها الحكومة باعتبارها سببا رئيسيا في ارتفاع معدلات الزيادة السكانية.
وتصنف الحكومة الانفجار السكاني على أنه خطر يهدد كل معدلات التنمية في البلاد، لكنها لا تزال تتعاطى برعونة مع قضية زواج الأطفال حتى ارتفعت المعدلات إلى نحو ۲۵ في المئة، وفق تقديرات وزارة الصحة، وسط اتهامات للحكومة بأنها السبب الرئيسي في المشكلة لعدم تعديل عقوبة الأسرة التي تزوج ابنتها قاصرا.
القانون الحالي ينص على أن عقوبة الزواج المبكر في مصر هي السجن عاما واحدا، ونادرا ما تنفذ، لأن غالبية الزيجات سرية
وينص القانون الحالي على أن عقوبة الزواج المبكر في مصر حبس لعام واحد، ونادرا ما تنفذ، لأن غالبية الزيجات سرية، كما أن غالبية الأحكام الصادرة تكون عبارة عن جنحة وليست جناية، وأمام تشعب الثغرات التشريعية التي يستثمرها المحامون، أفلت أغلب المتورطين في الزيجات المبكرة من عقوبة السجن.
ويرى مختصون في شؤون الأسرة أن العقوبات المرتبطة بالحرمان المالي مطلوبة كنوع من الترهيب الموجه للأسر الفقيرة التي تزوج أطفالها، ولا يجب إغفال وجود شريحة من الفئات التي لا تحصل على دعم تقوم هي الأخرى بتزويج الفتيات قبل بلوغهن السن القانونية، أي أن العقوبة المالية تخص شريحة بعينها.
ويعبر التوجه الحكومي عن عدم وجود خطة متكاملة لمواجهة ظاهرة الأمومة المبكرة، ولا تتحرك المؤسسات المختصة برؤية موحدة حتى يؤمن المجتمع نفسه بخطورة المشكلة وأبعادها، لأن الحكومة لم تقنع الناس بأن الملف قضية أمن قومي ولديها إرادة قوية لمواجهة من يتمردون ويتاجرون بأجساد بناتهم.
وتعوّل القاهرة على أن ربط الدعم بالتخلي عن سلوكيات خاطئة، نجح في الحد من بعض التصرفات الخاطئة لذلك يمكن أن يكون حلا ناجحا في مشكلة الزواج المبكر، ومثال ذلك أن وزارة التضامن الاجتماعي سبق وأعلنت أن معدلات الأمية الأسرية انخفضت إلى ۴۵ في المائة بعد أن تم ربط الدعم النقدي بتعليم الأبناء.
وكانت الحكومة لجأت إلى هذا الخيار بعد أن فقدت الأمل في الحد من التسرب التعليمي، وقالت إنها لن تصرف دعما للأسر التي لديها أمية مرتفعة، فقررت ربط المساعدات بالتعلم وهو ما استجابت إليه شريحة كبيرة من الأسر، وترغب في تكرار نفس النهج مع الزواج المبكر على أمل تحقيق نفس معدلات النجاح.
وقد لا تُدرك المؤسسات المعنية بملف الأمومة المبكرة في مصر أن التعاطي الأسري مع الزواج مختلف عن مفاهيم الأمية، لأن تزويج الفتاة في سن صغيرة مرتبط بثقافة مجتمعية متجذرة وصار جزءا من عادات وتقاليد شريحة معتبرة من الأسر، وهناك مناطق كاملة تنظر إلى أن تأخر تزويج الصغيرة من الأمور المعيبة.
وثمة فئة من الأسر مستعدة لخسارة الدعم مقابل ستر الفتاة بالزواج المبكر، بذريعة أن ذلك يحميها من الانحراف ويضمن عدم تحولها لفتاة عانس يفوتها قطار الزواج، وهذه قناعة من الصعب تغييرها بسهولة أمام تمسك تلك الشريحة بأن الأمومة المبكرة لا يمكن ربطها بمساعدات مهما تدهورت ظروف المعيشة.
ويعتقد متابعون لظاهرة الزواج المبكر أن مقايضة الشريحة البسيطة بالدعم مقابل وقف الأمومة المبكرة قد لا يُجدي نفعا ولن يكون ورقة رابحة في الحد من المعدلات، لأن هناك ثغرات كثيرة تلجأ إليها الأسر ولا تعرفها الحكومة بينها إتمام الزيجة بشكل سري، وعدم توثيقها رسميا لحين بلوغ الفتاة السن القانونية.
وقد تكتشف المؤسسات المعنية بشؤون الطفل وجود زيجة مبكرة ستحدث في منطقة بعينها بالمصادفة، بمعنى أن أحد الجيران يقوم بإبلاغ خط نجدة الطفل بأن هناك طفلة ستتزوج، ثم يتحرك المجلس القومي للطفولة لوقفها، وإجبار الأب على عدم زواجها من خلال تعهد يوقع عليه في النيابة العامة.
والمسار الثاني أن تقوم الطفلة نفسها بالإبلاغ عن تعرضها للزواج بالإكراه وتطلب المساعدة ليتحرك المجلس القومي للطفولة لإنقاذها، ودون هاذين المسارين لا تعرف الحكومة أن الطفلة تزوجت مبكرا أمام الاتفاق الذي يقع بين أسرتي الشاب والفتاة والمأذون، بعدم توثيق عقد الزواج قبل بلوغ الطفلة السن القانونية.
ويعني ذلك أن تطبيق عقوبة ربط الدعم بعدم الزواج المبكر مرهونة بإثبات الواقعة وسهولة اكتشافها من جانب المؤسسات المعنية بشؤون الطفل، ودون ذلك فإنها لن تكون ناجزة، وستظل هناك أسر تحصل على المساعدات الحكومية رغم تزويجها فتياتها القاصرات، لعدم وجود آليات تثبت أن الزواج حدث بالفعل.
قال الاستشاري الأسري في القاهرة محمد هاني إن الحرمان من المساعدات حل جزئي لمشكلة زواج الأطفال، لأن القضية برمتها تحتاج إلى حلول متشعبة، منها التوعوي والديني الذي يُبطل زواج الأطفال ومنها المرتبط بتغليظ العقوبات، المهم تجييش المجتمع نفسه لرفض الفكرة وكل ما يرتبط بها من مبررات.
وأضاف لـ”العرب” أن جزءا أصيلا من مواجهة الأمومة المبكرة تخصيص خطاب توعي للضحية نفسها، لتفهم كيفية وأسباب رفض تلك الزيجة، وكيف تستغيث منها إذا تم إجبارها على ذلك، ثم أن فرض السرية على الزواج المبكر يعرقل فرض العقوبات، وهذا يحتاج إلى خطة متكاملة للمواجهة بالوعي والعقوبات.
وتظل المعضلة الأكبر أن الكثير من الآباء والأمهات يجهلون الحد الأدنى من المعرفة حول وجود ربط للدعم بعدم زواج الأطفال ولا يصل إليهم الخطاب الحكومي، لذلك يصرون على مسايرة حياتهم حسب العادات والأعراف الموجودة، كما الحال بالنسبة للختان وغيره من السلوكيات المعاقب عليها، دون وعي أسري.
وما لم تتعامل الحكومة مع التصدي للأمومة المبكرة كمشروع قومي لن تخفض معدلات زواج القاصرات وإن تمسكت بعقوبة الحرمان المادي كسلاح ردع أمام ظروف معيشية صعبة، وعليها تصنيف تزويج الصغيرات على أنه اغتصاب يستدعي عقوبات صارمة بما يُرهب المجتمع ويتراجع عن التعامل معه كعرف وتقليد.
المصدر: العرب