اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
تُكرِّس «اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة» (۱۹۴۶)، التي تُعدّ الولايات المتحدة طرفاً فيها، حصانة المقرّرين الخاصّين بالأمم المتحدة من أيّ إجراء قانوني. وتهدف هذه الحصانة الممنوحة إلى الخبراء الأمميّين، إلى تمكينهم من أداء عملهم باستقلالية ومن دون انقطاع. ولا شكّ في أنّ إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تعلم ذلك جيداً، غير أنها قرّرت فرض عقوبات على المقرّرة الخاصة التابعة للأمم المتحدة والمعنيّة بحالة حقوق الإنسان في الأراض الفلسطينية المحتلة، الإيطالية فرانشيسكا ألبانيز.
وورد في نص «اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة» إنّ جميع الخبراء الذين يقومون بمهامّ خاصة لمنظمة الأمم المتحدة، بما في ذلك المقرّرة الخاصة ألبانيز، يتمتّعون بالحصانات والامتيازات، بما في ذلك الحصانة من التوقيف الشخصي ومن حجز ومصادرة أمتعتهم الشخصية، والحصانة من كلّ مقاضاة في ما يتعلّق بالأعمال التي يقومون بها أثناء مهامهم (أضف إلى ذلك ما يقولون وما يحرّرون). وتستمرّ هذه الحصانة إِلى ما بعد انتهاء مهامهم.
وتشمل العقوبات الأميركية، منع ألبانيز من دخول الولايات المتحدة، والحجز على أملاكها وأموالها، وتجميد حساباتها المصرفية، ومنعها من القيام بأيّ عمل أو مهامّ في أميركا. لكن يُرجّح أن يكون الاعتراض على فرض هذه العقوبات على ألبانيز أمام المحاكم الأميركية، لصالحها، ذلك أنّ الولايات المتحدة التي يقع المقرّ الرئيس للأمم المتحدة على أراضيها (في نيويورك)، والتي التزمت قانونياً بـ«اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة»، لا يمكنها قانونيّاً فرض قيود تمنع بموجبها ألبانيز من القيام بالمهامّ الموكلة إليها. فالمقرّرة الخاصة هي خبيرة مستقلّة عيّنها «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة، منذ أيار ۲۰۲۲، لمتابعة الأوضاع في فلسطين المحتلة، وتقديم تقارير حولها.
وتشمل مهامّها الآتي:۱- التحقيق في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي واتفاقية جنيف المتعلّقة بحماية المدنيّين وقت الحرب (۱۹۴۹).
۲- تلقّي الاتصالات والاستماع إلى الشهود وتقديم استنتاجات وتوصيات إلى «لجنة حقوق الإنسان».
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على ألبانيز، ملحقة بالأمر التنفيذي الذي صدر عن الرئيس الأميركي في السادس شباط ۲۰۲۵ (الفقرة ۱أ۲أ من الأمر الرقم ۱۴۲۰۳)، والذي جاء فيه إنّ العقوبات الأميركية تُفرض على كل مَن «يشارك بشكل مباشر في أيّ جهد تبذله المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع شخص محمي أو اعتقاله أو احتجازه أو محاكمته من دون موافقة بلد جنسيّته».
لا يمكن للولايات المتحدة قانونيّاً فرض قيود تمنع بموجبها ألبانيز من القيام بالمهامّ الموكلة إليها
وبالتالي، أمرَ ترامب بفرض عقوبات على القضاة والمحامين والموظفين في «الجنائية الدولية»، على خلفية صدور مذكرات توقيف دولية بحقّ كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه السابق يؤاف غالانت، لارتكابهما جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب في غزة، من دون أن تكون إسرائيل أو الولايات المتحدة موقّعة على نظام المحكمة (نظام روما الأساسي). وكانت ألبانيز، في إطار مهامها، طلبت من المدعي العام في «الجنائية» محاسبة نتنياهو والكيان الإسرائيلي على الجرائم التي يرتكبونها في قطاع غزة وفي الضفة الغربية.
وذهب ترامب إلى حدّ إعلان حالة «طوارئ وطنية» لمنع محاسبة ضباط وجنود أميركيين وإسرائيليين، بحجّة أنّ الصلاحية القانونية للمحكمة لا تشملهم. لكنّ نظام المحكمة الذي وقّعت عليه دولة فلسطين (المعترف بها من قبل منظمة الأمم المتحدة)، يتيح لها ملاحقة أيّ جهة ترتكب جرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانية أو إبادة جماعية على أراضٍ فلسطينية، بما في ذلك غزة والضفة.
على أيّ حال، إنّ فرْض واشنطن عقوبات ضدّ قضاة وضدّ المدعي العام الدولي، والمقرّرة الخاصة التابعة للأمم المتحدة، يُعدّ إجراءً غير قانوني ولا يفترض أن تتقيّد به المؤسسات والمصارف والدوائر الإدارية في أيّ مكان. لكن، في زمن تجاوز أبسط القوانين الدولية، وزمن الإبادة الجماعية المستمرّة في فلسطين، بات العالم أشبه بغابة تحكمها قوّة السلاح والبطش والبلطجة والعنف، إذ لا قيمة للشرائع والقوانين والأصول القضائية.
العالم