اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
لكن الأمور بدأت تتغير مع نهاية القرن الــ۱۹، ففي الدورة الثانية التي احتضنتها العاصمة الفرنسية باريس عام ۱۹۰۰، تمكنت النساء من المشاركة نتيجة لتزايد الحركات النسائية ونشاط المناصرين لحقوق المرأة في تلك الفترة.
ولم يحظَ أولمبياد “باريس ۱۹۰۰” بالكثير من الاهتمام العالمي، إذ كان ينظر إليه كعرض جانبي لمعرض باريس الدولي، الذي أرادت فرنسا من خلاله إبراز تطورها وإنجازاتها. ولم يهتم المنظمون بالألعاب كثيرًا، فامتدت المنافسات على مدى ۶ أشهر وأُجريت في أماكن تفتقر إلى المعدات المناسبة.
لكن الإنجاز الوحيد الذي يُذكر لتلك الدورة كان مشاركة ۲۲ امرأة لأول مرة في تاريخ الألعاب الأولمبية، مما فتح الباب أمام دخول النساء في مجال الرياضة عالميًا. فمن أصل ۹۷۷ رياضيًا، تنافست هؤلاء النساء الـ۲۲ في ۵ رياضات مقبولة اجتماعيًا وغير متطلبة للاحتكاك الجسدي: وهي التنس، والإبحار، والكروكيه، والفروسية، والغولف. الغريب في الأمر أن بعض هؤلاء النساء شاركن بمحض الصدفة!.
مارغريت أبوت، أول امرأة أميركية تفوز بميدالية ذهبية أولمبية، لم تكن على علم بما فازت به. تتحدث بولا ويلش، الأستاذة الفخرية في جامعة فلوريدا وعضو مجلس إدارة اللجنة الأولمبية الأميركية، أن أبوت كانت موجودة في باريس عام ۱۹۰۰ لدراسة الفنون، ولم تكن مدرجة في سجلات البعثة الأولمبية الأميركية.لكن نظرًا لأنها كانت من هواة رياضة الغولف، فقد سمعت عن وجود مسابقة تُقام في باريس.
ذهبت أبوت إلى مقر إقامة الألعاب الأولمبية وسألت إذا كان بإمكانها المشاركة، ونظرًا لتواضع التنظيم في تلك الدورة، وافق المنظمون على مشاركتها.
الأكثر سخرية أن والدتها، ماري آيفز أبوت، شاركت أيضًا، وهي المرة الأولى والوحيدة في تاريخ الألعاب الأولمبية التي تتنافس فيها أم وابنتها في نفس الرياضة وفي نفس الحدث وفي نفس الوقت. وبعد حصولها على المركز الأول، لم تحصل على ميدالية ذهبية، بل حصلت على وعاء مزخرف!.
تجسد هذه القصص حالة الفوضى التي ميزت دورة “باريس ۱۹۰۰″، لكنها في الوقت ذاته تمثل نقطة تحول مهمة في تاريخ الرياضة النسائية، والتي مهدت الطريق للمزيد من المشاركات في النسخ اللاحقة.
بعد ۱۱۲ عامًا من المشاركة النسائية في الأولمبياد، تمكنت المرأة لأول مرة من تمثيل كل دولة متنافسة برياضة واحدة على الأقل، حيث وصل عدد النساء المشاركات إلى ۴ آلاف و۸۴۷ امرأة في دورة “لندن ۲۰۱۲”. ولأول مرة، شملت بعثات السعودية وقطر وبروناي رياضيات سيدات.
وعلى مدار أكثر من قرن، خضعت النساء في الألعاب الأولمبية لقوانين وقيود صارمة استمرت لعقود، ومنعت شرائح كبيرة من الرياضيات من المشاركة في الألعاب الأولمبية.
فحتى العام ۲۰۱۳، كان يُمنع على الرياضيات ارتداء الحجاب، مما فوت على العديد من الرياضيات المسلمات فرص تحقيق إنجازات رياضية. ولكن بمجرد السماح بارتداء الحجاب، استطاعت المصرية جيانا لطفي، أول لاعبة كاراتيه أفريقية وعربية تصل إلى الأولمبياد، أن تفوز بالميدالية البرونزية.
إضافة إلى ذلك، كان المنظمون يفرضون أزياء مكشوفة على الرياضيات في رياضات مثل الجمباز وكرة الشاطئ. إلا إن أولمبياد “طوكيو ۲۰۲۰″، شهد إطلاق الفريق الألماني للجمباز “ثورة” على تلك الأزياء، حيث خرج بملابس تغطي كامل الجسم، لتشجيع جميع اللاعبات على ارتداء ما يشعرهن بالثقة والراحة، خاصة مع عدم وجود قانون يمنع ذلك.
كما عانت الرياضيات الأمهات الجدد لعقود من التضييق عليهن في اصطحاب أبنائهن ورعايتهم أثناء فترة الألعاب. لكن هذا الوضع تغير في “طوكيو ۲۰۲۰” أيضا، حيث تم اتخاذ خطوات لتلبية احتياجات الأمهات الجدد، مما يعكس تقدما كبيرا في هذا المجال.
أما أولمبياد “باريس ۲۰۲۴” الذي تنطلق فعالياته في ۲۶ يوليو/تموز المقبل، فيشهد استكمالا لانتزاع المزيد من الحقوق للرياضيات، إذ ستتمكن المرضعات من المشاركة في الألعاب مع أطفالهن الرضع. كانت البداية في “طوكيو ۲۰۲۰″، حيت أعربت الأمهات المرضعات عن استيائهن علنًا من السياسة التي منعت إحضار أطفالهن إلى طوكيو، مما أجبر المنظمين على التراجع عن هذا القرار. ومع ذلك، رغم تعديل السياسة، بقيت المتطلبات والاشتراطات مقيدة للغاية، مما أجبر بعض الرياضيات على ترك أطفالهن في المنزل.
أما في “باريس ۲۰۲۴″، فيبدو أن الأمور تسير نحو الأفضل؛ إذ قامت نجمة الجودو الفرنسية كلاريس أجبينينو بحملة لتلبية احتياجات الأمهات الجدد في مجال الرياضة، واستجابت اللجنة المنظمة من خلال تخصيص مخصصات للأمهات المرضعات. وفي تطور كبير، سيتم منح الرياضيات الفرنسيات خيار الإقامة في غرف فندقية قريبة من قرية الرياضيين الجديدة في ضاحية سان أوين شمال باريس.
وتعني هذه الخطوة أن الأمهات يمكنهن استخدام الغرف للنوم بجانب أطفالهن الرضع، أو جلب شركائهن إلى الغرفة، كما ستتم إتاحة منطقة اجتماعية خاصة للأطفال.
الأمينة العامة للجنة الأولمبية الفرنسية أستريد جويارت قالت لموقع صحة المرأة، “إنه أمر غير مسبوق، وهو شيء نريد أن يصبح دائمًا”.
رغم أن هذه الخطوة نادرة، فإنها تأتي بعد تجارب سابقة مثل تجربة لاعبة كرة السلة الكندية كيم جوشر خلال أولمبياد “طوكيو ۲۰۲۰″، والتي نجحت مساعيها في إحضار ابنتها الرضيعة إلى الألعاب، وهو ما وصفته بأنه “القرار الصحيح للمرأة الرياضية”.
وتمثل هذه الخطوة انتصارًا جديدًا للنساء في المجال الرياضي، وفي الوقت الذي وصلت فيه نسبة المشاركة النسائية إلى ۴۸% في أولمبياد طوكيو، أصبح من المؤكد أن القوانين السابقة والقيود المفروضة على النساء في طريقها إلى الزوال.
المصدر : الجزيرة