اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
توافق المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر مع اللجنة التشريعية بمجلس النواب والمجلس القومي للأمومة والطفولة على اتخاذ خطوة هي الأولى من نوعها، تقضي بتجريم زواج الأطفال في البلاد، كنوع من الردع والصرامة ضد أي أسرة تقدم على تلك الخطوة، لأن النصوص التشريعية المرتبطة بهذا الزواج لم تؤتِ ثمارها بعد.
وتتلاقى رؤية الجهة التشريعية والمؤسسات المعنية بشؤون الطفل وحقوق الإنسان مع وجهة نظر الحكومة والحوار الوطني المُشكّل بقرار من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، حيث تواعدت هذه الأطراف على حتمية تعديل قانون الطفل، ليتحول زواج القاصرات من مجرد جنحة إلى جريمة لا تسقط بالتقادم.
وأعلن مجلس حقوق الإنسان مؤخرا أنه حصل على تأييد من نواب داخل البرلمان ومؤسسات متداخلة مع شؤون الطفل وهيئات تابعة للدولة، وبرنامج الأمم المتحدة للسكان في مصر، ومنظمات المجتمع المدني، بتعديل القانون، لتكون عقوبة زواج الأطفال السجن المشدد.
وتمهد تلك الخطوة للدفع بقانون الطفل إلى مجلس النواب ليتم تعديله رسميا، وإقرار تشريع جديد يستهدف محاربة زواج الصغيرات، لأن العقوبات المطبقة ليست رادعة ولا تهابها الكثير من الأسر، وقادت إلى المزيد من حالات زواج الأطفال، أمام إحساس الكثير من العائلات بأن الحكومة غير جادة في المواجهة.
ويُعاقب القانون الحالي والد الطفلة بالحبس عاما واحدا، وقد لا تنفذ العقوبة، باعتبار أن غالبية الزيجات سرية، والأحكام الصادرة في قضايا الجنح يندر تطبيقها لتشعب الثغرات التشريعية التي يستثمرها المحامون لإفلات الآباء من السجن، ما ساعد على تنامي الظاهرة أمام الاستخفاف بالعقوبة.
ووافقت الحكومة على رفع عقوبة الزواج المبكر لتصل إلى سبع سنوات، لكن ظل المقترح الخاص بتعديلات قانون الطفل معطلا ولم يُقدم إلى مجالس النواب أمام غياب الدعم المجتمعي والحقوقي لتلك الخطوة، ووجود ثغرات مرتبطة بآليات التفعيل، ما تسبب في تنامي الظاهرة بشكل ملحوظ.
وتمسك مجلس حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني ونواب البرلمان بأن يكون القانون الجديد، الذي من المفترض أن تتقدم به الحكومة إلى البرلمان في الفترة المقبلة، متضمنا عقوبات صارمة تخص كل أطراف منظومة الزيجات السرية، بدءا من الأسرة وصولا إلى المأذون الذي قام بتوثيق عقد الزواج للطفلة بالمخالفة للقانون.
ويُصنف بعض المأذونين في مصر على أنهم الفئة الأكثر فاعلية في تحول زواج الأطفال من وقائع فريدة إلى ظاهرة، لأن لديهم ثغرات تشرعن تلك الزيجات، من خلال القيام باستخراج ثلاث نسخ من العقد، واحدة لأسرة الفتاة، والثانية لعائلة الشاب، والثالثة يتم إخفاؤها لتوثيق العقد رسميا بعد بلوغ البنت السن القانونية.
وحسب إحصائيات رسمية، فإن معدلات زواج الأطفال في مصر بلغت نحو ۱۵ في المئة سنويا من إجمالي العقود، وهو رقم ضخم يتناقض كليا مع توجهات الحكومة للقضاء على تلك الظاهرة كليا، لأسباب ترتبط بمواجهة الانفجار السكاني، وأخرى تتعلق بصحة الفتيات، وثالثة تخص الحد من الطلاق في سن مبكرة.
ويرى متخصصون في العلاقات الاجتماعية أن تغليظ عقوبات زواج الأطفال ليكون جريمة بسنوات حبس طويلة توجه مطلوب، وخطوة تأخرت كثيرا، كنوع من الترهيب والردع، لكن التعويل على ذلك فقط لن يحقق الغرض قبل إقرار خطة توعوية وثقافية متكاملة تستهدف مواجهة متشعبة مع زواج الصغيرات.
وأقرب مثال على ذلك أن الكثير من الأسر التي تقدم على تزويج بناتها في سن صغيرة لا تعرف شيئا عن وجود عقوبات ضد زواج الأطفال، لانتشار الأمية وغياب الوعي في العديد من المناطق، بالتالي فكل هذه الأسر تتعامل مع الزيجات المبكرة كعرف وتقليد مجتمعي، ولا تُدرك عواقب تصرفاتها المخالفة للقانون.
ولم تتدخل المؤسسات التوعوية في تلك المناطق بشكل قوي لتثقيف الناس بما لهم وما عليهم، بالتوازي مع قيام بعض المتشددين دينيا بنشر ثقافة الزواج المبكر، بحجة أن الإسلام دعا إلى ستر الفتاة ولم يحدد سنا معينا للزواج والإنجاب، وهي إشكالية أغفلتها الحكومة، واكتفت بالمواجهة القانونية فقط.
القانون الحالي يُعاقب والد الطفلة بالحبس عاما واحدا، وقد لا تنفذ العقوبة، باعتبار أن غالبية الزيجات سرية
ويتفق معنيون بشؤون الطفل في مصر على أنه مهما كانت هناك عقوبات صارمة تجرم زواج الأطفال، فقد لا تكون ذات قيمة إذا لم يتم إدراج تهمة التحريض ضمن الحالات التي تستوجب الحبس المشدد، في ظل تحريض بعض رجال الدين على ذلك، دون أن تكون هناك أداة ردع موجهة إليهم في القانون الجديد.
ورأى أحمد مصيلحي، رئيس شبكة الدفاع عن أطفال مصر، أن تغليظ العقوبة مطلوب، لكن المهم التفعيل على الأرض والتحرك في مسارات موازية تستهدف التوعية والتثقيف والنزول على الأرض للتحدث مع الناس بشكل مباشر، مع ضرورة وجود قاعدة بيانات بالمناطق الأكثر تزويجا للقاصرات، لاستهدافها توعويا.
وأضاف لـ”العرب” أن هناك عقوبات مشددة ضد السرقة والقتل ومخالفات المرور، لكن التصرفات لا تزال موجودة، وهذا دليل على أنه دون خطاب توعوي مع القانون ستكون النتيجة ضعيفة، وإذا كان سلاح التخويف مهما في مواجهة الزواج المبكر، فالأهم وجود تحركات تمنع وقوع الفعل نفسه.
ولفت إلى أنه من بين الحلول الاستباقية أن يكون هناك خطاب توعوي موجه إلى الصغيرات، وآخر للأمهات، وثالث للآباء، لا أن تكون المواجهة التوعوية موحدة لكل الفئات من دون التفريق بين المستويات الفكرية، مع حتمية إدراج خطورة الزواج المبكر في المناهج التعليمية، وتكثيف إنتاج محتوى فني ودرامي لذلك.
وترتبط ميزة مخاطبة الفتاة نفسها بخطاب توعي بأن تكون لديها زيادة في مساحة الفهم لكيفية التصرف عند تعرضها لضغوط أسرية متعلقة بالزواج المبكر، وتعريفها بكيفية الاستغاثة والهروب من تلك الوضعية، وتكون على دراية كاملة بآلية الحفاظ على جسدها وإقناعها بأن الزواج المبكر انتهاك لها.
ولم تتطرق المناهج التعليمية في مصر بعد إلى تلك الإشكالية، لذلك تكون الفتاة أسيرة لتوجهات العائلة. كما أن الأعمال الفنية المرتبطة بالظاهرة تبدو شحيحة، مع أن هناك توافقا حقوقيا وبرلمانيا على ضرورة تكثيف المحتوى الفني الذي يحذر من مخاطر وتبعات الزواج المبكر، وكيف يُحوّل حياة الفتاة إلى جحيم.
ويعتقد متابعون للظاهرة أن الحكومة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالتعامل مع مواجهة زواج الأطفال كهدف إنساني، وهذا يتطلب تصنيفها تزويج الصغيرات على أنه اغتصاب، طالما أنهن لسن ناضجات ولا يميزن بين الصواب والخطأ، وتُنتهك أجسادهن دون وعي بمخاطر ذلك.
وتظل المعضلة الأكبر في اقتناع الكثير من أرباب الأسر في مصر بأن زواج الطفلة في سن صغيرة يُخلّص الأبوين من أعبائها أمام ضيق الحال، مع أنها قد تنفصل سريعا وتحصل على لقب مطلقة وتعود إلى منزل أسرتها بأبنائها الذين تخلى عنهم الزوج، ليتحمل الأبوان مسؤوليتها وأولادها.
ولا تحصل المطلقة القاصر على أيّ من حقوقها إذا حدث الانفصال قبل بلوغها السن القانونية لأن الزيجة نفسها ليست موثقة، حيث ترفض المحاكم قبول دعواها ولا تحصل على قيمة نفقة المتعة ولا يكون لها نصيب في سكن الزوجية، ما يستدعي التثقيف بتبعات الزواج المبكر، لترهيب الناس بالحُجة، لا بالقانون فقط.
المصدر: العرب