اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
تطرقت إيمان شمس الدين، الكاتبة والمفكرة اللبناني في مجال الفكر الديني والسياسي، إلى الأسباب والدوافع وراء تجاهل إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة واستمرار عدوانها. و قالت : إن الشعور المفرط بالغرور والقوة دفع إسرائيل، بناءً على وهم بأن إيران في أضعف حالاتها، إلى مهاجمة إيران. ومع ذلك، أدى هذا الوهم إلى تحول تل أبيب وجميع الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى هدف سهل لصواريخ الإيرانيين.
وفيما يلي نص المقابلة بالكامل:
في الأيام الأخيرة، شهد العالم عدواناً صارخاً من قبل الكيان الصهيوني على إيران وشعبها. برأيكم، لماذا يرتكب الكيان المحتل مثل هذه الجرائم ضد المدنيين في غزة ولبنان وإيران؟
في البداية، أعلن تضامني ودعمي الكاملين للشعب الإيراني المقاوم والصابر وجمهورية إيران الإسلامية الثابتة في مواجهة هجمات إسرائيل الوحشية التي لا تحترم أي قانون.
يكمن أصل هذه المشكلة في الثقافة والاستعمار وأسسها. الغرب وأمريكا يؤمنان من الناحية المعرفية بجذور ثقافية تقوم على الاعتقاد الراسخ بالمركزية الغربية، والتي تعتبر نفسها مركز الحضارة والتقدم والقيم. ويتوهمان بحجة “التحضير” عالم يعتبرانه “متوحشاً” بأنهما يحق لهما السيطرة على موارد العالم.
كانت هذه الثقافة تظهر في الماضي من خلال الاستعمار العسكري في منطقتنا، ولكنها تطورت لاحقاً إلى شكل من أشكال الاستعمار غير المباشر. ثم تركزت مع تشكيل إسرائيل كذراع استعماري واسع للغرب في المنطقة، والتي تستخدم الشعارات الدينية لتثبيت هذه المركزية والاستعمار الحديث. يستفيد هذا الكيان من المؤسسات الدولية التي تم إنشاؤها لخدمة الإنسان الغربي لتأمين مصالحه على حساب إلحاق الضرر بدول المنطقة.
لقد شكلت هذه الأيديولوجية نظاماً عالمياً ومختلف المؤسسات لخدمة أهداف ومصالح الغرب وأمريكا. وحتى أنها منحت شرعية لهذا الاستعمار الجديد من خلال قوانين وقرارات الأمم المتحدة. فعلى سبيل المثال، تم إطلاق الأمم المتحدة في عام ۱۹۴۵ وتشكيل نظام الوصاية الدولية بموجب ميثاقها، والذي كلف الدول المهيمنة بمسؤولية إدارة الشعوب المستعمرة وضمان حقوقها بما يتماشى مع مبدأ الحكم الذاتي. لكن من الناحية السياسية والتاريخية، كان هذا الموقف نتيجة للحرب العالمية الثانية التي خلقت نظاماً عالمياً جديداً بمعايير وشروط مختلفة.
تؤثر هذه القرارات بشكل كبير في إضفاء الشرعية على الاستعمار وحتى إضفاء مظهر مبرر عليه، من خلال الحديث عن “الحفاظ على الحقوق” و”الإدارة” دون تحديد أوجه محددة. تثبت التجارب التاريخية للاستعمار هذا الموقف الغامض، لأنه كان يتعارض دائماً مع توصيات الأمم المتحدة.
لفهم ما أوصلنا إليه، يجب علينا فحص عدد المرات التي انتهكت فيها أمريكا والدول الغربية القوانين الدولية ومعاهدات حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة. هذا العدد كبير جداً، خاصة بعد ۷ أكتوبر.
تجاهلت إسرائيل، بدعم من أمريكا والغرب، جميع المعاهدات وقرارات الأمم المتحدة، وعطلت أمريكا بعد عملية طوفان الأقصى السلطة الملزمة لهذه القوانين، مما أدى إلى الفوضى في المنطقة.
في هذه الظروف المضطربة، هاجمت إسرائيل المنطقة كوحش، وبدعم من الغرب ومعظم الدول العربية، حولت غزة إلى مستنقع حيث ارتكبت جرائم ووحشية ضد الشعب. وعلى الرغم من الإدانات العديدة التي صدرت ضد إسرائيل، لم تتمكن المؤسسات الدولية من وقف هذه الوحشية.
لكن دعم أمريكا، باستخدام نفوذها العالمي كقوة كبرى، أقام سداً لحماية وحشية إسرائيل. ونتيجة لذلك، دفع الغرور والشعور المفرط بالقوة، إسرائيل إلى مهاجمة إيران، بناءً على وهم بأن إيران في أضعف حالاتها ويمكن القضاء عليها كداعمة لحركات المقاومة، لكن هذا الوهم أدى إلى تحول تل أبيب وجميع الأراضي الإسرائيلية إلى هدف سهل لصواريخ الجمهورية الإسلامية.
تتحدث إسرائيل عن أهداف مثل ضرب المراكز النووية والصاروخية الإيرانية، لكنها تستهدف بوضوح البنية التحتية والمؤسسات الإعلامية والمستشفيات، وكان عدد الشهداء من النساء والأطفال كبيراً. ما هو هذا التناقض؟ أو بمعنى أدق، ما هو الهدف من هذه الإجراءات؟
من الطبيعي أن يقوم الكيان الصهيوني بمثل هذه الإجراءات، لأنه فعل الشيء نفسه في غزة بذريعة وجود حماس في المؤسسات المدنية والمستشفيات، وفي لبنان أيضاً هاجم جميع المراكز الخدمية مثل المدارس ومحطات الكهرباء والطاقة والمستشفيات ودمرها بذريعة تدمير أسلحة المقاومة، دون وجود قوة رادعة تمنع ذلك.
يتمتع هذا الكيان بدعم كامل من أمريكا والغرب. وحتى أن قوانين تم سنها في الغرب لتقليل الحريات بحجة “معاداة السامية” والتي لا أساس لها في النظام المعرفي، وهي اختراع غربي خالص لخدمة مصالح الاستعمار. كان الشعار العالمي المطروح هو: “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”. إن استهداف المدنيين بشكل متعمد هو جزء من معركة “حرق الوعي” التي تخوضها إسرائيل في أذهان الشعوب، لإحداث فكرة أن الحكومة أو مقاومة إيران مسؤولتان عن استهداف المدنيين، لأنهما يخفيان قدراتهما العسكرية بين المدنيين.
الهدف هو التأثير على الشعب لإبعادهم عن التفكير في مقاومة إسرائيل ودعم المقاومين. إنها عملية “حرق للوعي” مصممة لتدمير الإرادة وحتى فكرة مقاومة الاستعمار في دول المنطقة. إسرائيل هي آخر تجسيد متبقي لإرث الاستعمار العسكري في منطقتنا وتريد أن تضفي الشرعية على وجودها في أذهان الشعوب لتصبح جزءاً طبيعياً من هذه المنطقة.
وبالتالي، فإن جزءاً من استهداف المدنيين وربطهم في أذهان الناس بتدمير الأسلحة وقتل المقاتلين هو معركة معرفية، ويرجع جزء كبير منها إلى الأيديولوجية الصهيونية الوحشية التي تطبقها ضد الشعوب، وخاصة الشعوب المقاومة التي تجرؤ على مواجهتها.
ما هي رسالتكم إلى الشعب الإيراني في هذه الأيام من عدوان الصهاينة الإرهابيين؟
في البداية، أتقدم بخالص العزاء للشعب الإيراني في شهدائه، وأتمنى لهم الرحمة الإلهية وللمصابين الشفاء العاجل وللقوات المسلحة والمقاتلين النجاح والنصر على العدو. ثم أشكرهم بحب ومودة عميقين، لأن هذا الشعب اليوم هو نموذج بارز للمقاومة والثبات، ويعتبر آخر معقل للمقاومة. إنهم يسيرون في هذا الطريق بتضحيات كبيرة ستسجلها التاريخ. أدعو الله أن ينصر إيران على الكيان الصهيوني وأتباعه، وأن يرحم شهدائها، ويشفي جرحاهم، وأن يمنحهم العون. إنهم يقومون بعمل عظيم من أجل هذه الأمة ويقدمون نموذجاً لأمة صامدة ومقاومة وشامخة تدرك مفهوم الكرامة والعزة ومعارضة العبودية والذل. إنهم شعب قوي واكتفاء ذاتي وأثبتوا أنهم شامخون ومقاومون ووطنيون ومحبون لأرضهم وحضارتهم وتاريخهم ومستعدون للتضحية بأرواحهم وأموالهم من أجلها.
تعریب خاص لـجهان بانو من وكالة أنباء میزان