رنا درويش… أول لبنانية في قسم حماية الشخصيات

لم تكن رنا محمود درويش (28 سنة)، المنضوية في المديرية العامة لأمن الدولة في لبنان، تدرك أنها ستصير حديث الساعة بعد انتشار فيديو يُظهرها أثناء تأدية مهامها العسكرية برفقة النائبة اللبنانية حليمة القعقور، إثر حضورها للمشاركة في جلسة للمجلس النيابي.

التحقت رنا درويش بـ”قسم مهام حماية شخصية عامة” منذ عام ۲۰۲۲، بعدما انضمت إلى السلك العسكري في عام ۲۰۱۷، وأثارت تفاعل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي كونها أول امرأة في المديرية العامة لأمن الدولة تتولى مهام “حماية الشخصيات” في البلاد، لتكسر بذلك الصورة النمطية التي تحصر هذا المجال بالرجل دون سواه.
ترتدي درويش بزّتها العسكرية، تتفقد سلاحها الفردي، تُسابق الوقت وتسارع إلى مهامها اليومية. تستقلّ السيارة برفقة القعقور، وتمضيان نحو الوجهة المحدّدة. تخرج من السيارة بجهوزيّتها التامة، ولا تتوقف عن المراقبة الحثيثة والتنبّه لكل شاردة وواردة، وكأنّ عينيها وأذنيها في حالة يقظة دائمة.
تروي رنا، الرقيب أول، لـ”العربي الجديد” قصة شغفها بالعمل الأمني، قائلة: “تخرّجتُ من الجامعة اللبنانيةبشهادة إجازة في الأدب العربي، لكن المجال العسكري كان حلمي الأول والأوحد منذ الطفولة. كانت تراودني أحلام بأنني أرتدي الزيّ العسكري وأحمل السلاح وأقصد الشارع للإمساك بالأمن. وفور تخرّجي، قررتُ تقديم طلب انضمام إلى المديرية العامة لأمن الدولة، فتم قبولي والتحقتُ بالسلك منذ ثماني سنوات. خدمتُ بداية في مكتب تابع لأمن الدولة في العاصمة بيروت، وكانت طبيعة عملي إدارية. ومنذ نحو ثلاثة أعوام، جرى اختياري للالتحاق بقسم مهام حماية شخصية عامة، وهو قسم متعارف عليه بأنه محصور بالرجال”.

تضيف: “لم تكن الفكرة واردة في بالي، لكن عندما تبلغت أن النائبة حليمة القعقور ترغب بعنصر نسائي إلى جانب المرافقَين الاثنين الآخرين، رحّبت بالفكرة بكل فخر واعتزاز، ورأيتُ فيها فرصة لإغناء تجربتي. وأيقنتُ منذ اللحظة الأولى أن هذا المجال يتطلب مسؤوليات إضافية وكفاءة عالية وجهوزية دائمة، لكنني أعشق التحدي والمجازفة وخوض المغامرات والتجارب الجديدة. وكانت بالفعل تجربة ممتعة وشيّقة، وما زلتُ متحمسة للمزيد من التجارب التي يمكنني أن أخدم بها وطني وأقوم بواجبي تجاهه”.
تتذكر رنا، ابنة بلدة شحيم (جبل لبنان)، الدورة التدريبية الأولى التي خضعت لها رفقة زملائها فور الالتحاق بالسلك العسكري. وتقول: “كانت دورة تدريبية مكثفة على مدى ثلاثة أشهر، تضمنت تدريبات قتالية وانضباطاً عسكريّاً، وكانت فترة مهمة جداً في حياتي، كوني انتقلتُ من الحياة المدنية إلى الحياة العسكرية. وعندما دخلت قسم مهام حماية شخصية عامة، خضعتُ لتدريبات خاصة شملت التعامل مع التهديدات والتفاعل السريع والرماية والجهوزية التامة والاستنفار الدائم”.

تتسلّح رنا بقلبها القوي وقدراتها الذهنية ولياقتها البدنية، وتشير إلى أنها تقضي أيام العطلة وأوقاتها بعد نهاية الدوام العسكري في ممارسة أنواع مختلفة من الرياضة. تقصد الأندية الرياضية وملاعب كرة السلة وصفوف الملاكمة، وتقوم كل فترة بالغطس والسباحة ورياضة المشي. وتكشف أنها تنوي متابعة مسيرتها في مجال حماية الشخصيات، ما دامت تتمتع بالقوة والصحة.
تقول: “ممتنة لما حققته في حياتي، لكنني بالطبع أتوق لتطوير خبراتي وتنمية مهاراتي وقدراتي وأتطلع نحو أنواع جديدة من الرياضة تساهم في تعزيز إمكانياتي. كما أن المسؤولية المنوطة بي تختلف وفق الأوضاع السياسية والاقتصادية. عندما نكون في تظاهرة على سبيل المثال، يجب أن تكون نسبة الجهوزية والتركيز والانتباه عالية جدّاً، إلى جانب أهمية التنسيق مع زملائي لتفادي أي مخاطر محدقة. ومنذ عام ۲۰۲۲، لم نتعرض لأي موقف، لكننا نكون شديدي اليقظة خلال التظاهرات، لا سيما أن النائبة القعقور تشارك في الكثير منها”.

وعن حصر مفهوم حماية الشخصيات بالرجال، تؤكد درويش أن “واجب الحماية لا يفرّق بين رجل وامرأة، فالرجل ليس أكثر كفاءة من المرأة، ما دامت تتحلى بالالتزام والإدارة والتدريب المتواصل. كما أنه لا فرق بين المرأة العزباء والمتزوجة أو الأم، رغم أن لكل امرأة ظروفها ومسؤولياتها، لكن هذا المجال لا يرتبط بالحالة الاجتماعية للمرأة، إنما هو قرار شخصي نابع من قناعة وحب وانتماء وإيمان، وأي امرأة تختار هذا الدرب بقناعتها وإرادتها، ستقدّم الكثير لوطنها وستكون عنصراً فاعلاً في المجتمع”. 
وفي رسالتها للنساء، تدعو رنا كل امرأة إلى أن “تؤمن بقدراتها، وألا تتردّد في الالتحاق بأي مجال عمل تعشقه وترغب به، خصوصاً إن كان في السلك الأمني والعسكري، لأن النساء اللبنانيات أثبتن جدارتهنّ وكفاءتهنّ وقوّتهنّ وقدرتهنّ على تحمّل المسؤوليات والصعاب، ونجدهنّ دوماً في الصفوف الأمامية بكل قوة وعزيمة، ليس فقط في المجال الأمني إنما على مختلف الصعد. أثبتت المرأة اللبنانية في أكثر من محطة ومرحلة أنها أهل للثقة والاحترام والتقدير”.

لم تسمع رنا تعليقات سيئة أو سلبية ضمن مجتمعها المحلي أو حتى على مستوى لبنان ككل، وفق قولها، “بل على العكس، ينظرون إليّ نظرة إعجاب وترحيب، وهي خطوة إيجابية نحو تعزيز دور النساء في السلك الأمني والعسكري وترسيخ دورهنّ الفاعل في شتى المجالات”. وتشيد بما تلقّته من دعم وتشجيع من قبل والدَيها وشقيقتيها، رغم خوفهم الطبيعي عليها. تضيف: “نحن ثلاث شابّات، وأنا في المرتبة الوسطى، لكنّ والدي أدرك منذ طفولتي عشقي للسلاح والحياة العسكرية، فكان يهديني من عالم الألعاب ما يتمحور حول المسدس والبندقية. وها أنا اليوم أحقق حلم الطفولة بكل فخر، وأتطلع قدماً نحو المزيد من الإنجازات والنجاحات”. 
وعن تأثير مجال عملها على الارتباط والزواج، تقول درويش: “على العكس من ذلك، إنه مجال مُلفت للشباب، ويسعى بعضهم للتعرف عليّ أكثر بسبب مجال عملي. أنا متمسكة بشخصيتي وضرورة أن يؤمن شريك حياتي بقدراتي وأننا نساند بعضنا بعضاً”.

المصدر: العربي الجدید