ريف مصر يكتسح معدلات الزواج رغم شح الإمكانيات

تشير الإحصائيات الرسمية في مصر إلى ارتفاع نسبة الزيجات في الأوساط الريفية مقارنة بالأوساط الحضرية، ويرجع خبراء الأسرة ذلك إلى عدم تأثر الأسر في المناطق التي تتعايش بالعادات والتقاليد والأعراف بالتغيرات التي طرأت على المجتمع. ذلك أن سكان القرى يتعاملون مع الزواج كطقس وخطوة لا بد منها عند سن معينة بقطع النظر عن الظروف المعيشية ومدى تحمل المسؤولية.

عكس ارتفاع معدلات الزواج في المناطق الريفية والشعبية في مصر، مقارنة بنظيرتها الحضرية، عدم تأثر الأسر في المناطق التي تراعي العادات والتقاليد والأعراف بالتغيرات التي طرأت على المجتمع، ولا تزال تلك الطقوس مسيطرة على حياة الناس، مقابل التحرر والاستقلال الموجودين في البيئات الأكثر ثقافة وتعليما.

وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية) أن عقود الزواج في المناطق الحضرية بلغت خلال العام الأخير ۳۸۸۶۹۶ عقدًا تمثل ۴۰٫۴ في المئة من جملة العقود، بينما بلغت النسبة في الريف ۵۹٫۶ في المئة، وكانت النسبة الأكبر من المتزوجين في تلك المناطق من فئة عشرين عاما فأكثر قليلا.

وما يلفت الانتباه أن أغلب المتزوجين في المناطق الريفية من حملة المؤهلات المتوسطة، شبانا وفتيات، أي أن أغلب هؤلاء يمتهنون حرفا صغيرة تُدر دخلا بسيطا، أو بلا عمل منتظم، وربما عاطلون، ما يوحي بأن قرار الزواج نابع من الأسرة نفسها، بغض النظر عن الظروف المعيشية الصعبة لسكان تلك المناطق.

وأظهرت الإحصائيات تقاربا كبيرا بين معدلات زواج الشبان الحاصلين على مؤهل متوسط ونسب الفتيات من المستوى ذاته، وهو جزء من الأعراف الأسرية في الريف بأن يتزوج الشاب من فتاة مستواها التعليمي لا يختلف عن مستواه، حيث لا تضع شروطا تعجيزية وتكتفي بالحد الأدنى من المستلزمات، والمهم إنجاز الزواج سريعا.

وتتناقض تلك المعدلات مع نظيرتها في المناطق الحضرية، حيث تميل الكثير من الفتيات إلى الزواج من شبان حاصلين على تعليم جامعي، ولديهم فرص عمل بدخل مرتفع، ومستوى اجتماعي جيد للأسرة، وإلا رفضن الزواج، دون أن يتعرضن لضغوط من جانب عائلاتهن بدعوى أنها تؤمن مستقبلهن.

الفتاة الأكثر تعليما وثقافة ووعيا داخل الأسرة الحضرية تتريث في انتظار اختيار الشريك المناسب لشخصيتها وحياتها المستقبلية

وعلى مستوى الشبان الحضريين هناك شريحة معتبرة منهم تهتم بتأخير سن الزواج، والميل بشكل أكبر إلى الانفتاح وإقامة علاقات عاطفية والاستقلال الذاتي بعيدا عن العائلة أو الانصياع لرغبة الآباء والأمهات في الموافقة على اختيار شريكة حياة بعينها وإنجاز الزواج، مهما كانت الظروف المعيشية ميسّرة.

وترتبط زيادة معدلات الزواج بين الريف والحضر في مصر بنظرة الأسرة والشاب والفتاة لتلك الخطوة، وهذا أيضا يتوقف على المستوى التعليمي والثقافي والفكري للعائلة، فمثلا يتعامل سكان القرى مع الزواج كطقس وخطوة لا بد منها عند سن معينة بقطع النظر عن الظروف المعيشية ومدى تحمل المسؤولية.

وفي تلك المناطق السكانية تندر العلاقات العاطفية بين الشبان والفتيات، لأنها شبه محرمة عرفيا، بل تكاد تكون مجرّمة عائليا، وبالمثل العلاقات الجنسية خارج الإطار الرسمي، وفي غالب الأمر يحدث الزواج بشكل تقليدي، سواء بين الأقارب أو الجيران أو المعارف، وتكون الأسرة صاحبة قرار اختيار توقيت الزواج.

وعلى النقيض تماما يرفض الكثير من أبناء المدينة والمناطق الحضرية رسم مسار حياتهم الشخصية أو الزوجية بطقوس المجتمع ووصايته، فقد لا تهتم الفتاة بالخوف من الوصول إلى مرحلة العنوسة دون زواج كما تفكر الأنثى القروية، وترفض الحضرية فكرة الزواج لمجرد توديع حياة العزوبية أو حمل لقب متزوجة.

وتميل الفتاة الأكثر تعليما وثقافة ووعيا داخل الأسرة الحضرية إلى التريث لحين اختيار الشريك المناسب لشخصيتها وحياتها المستقبلية، في ظل ارتفاع معدلات الطلاق داخل المجتمع، وبالتالي ترفض بشكل مطلق أن تتزوج لتؤدي الغرض، أو تستجيب لرغبة الأسرة، وتتعامل مع تلك الشراكة بحكمة دون تسرع.

ويرى متخصصون في العلاقات الاجتماعية أن زيادة معدلات الزواج في الريف مقارنة بالحضر يصعب فصلها عن تخلي الكثير من العائلات في البيئات التقليدية عن المغالاة في الشروط لمراعاة ظروف بعضهم البعض، وهذه ميزة لا تبدو موجودة على نطاق واسع في المدينة، حيث تكون مستلزمات الزواج شبه تعجيزية.

Thumbnail

وتميل النسبة الأكبر من العائلات الريفية، وحتى الشعبية في مصر، إلى الزواج المدبّر، حيث تعرف الأسر بعضها البعض، ويكون الاهتمام بإتمام الزيجة دون النظر إلى وظيفة الشاب ومستواه الاجتماعي، طالما أنه يعيش في بيئة قائمة بالأساس على التكافل الاجتماعي، بمعنى أنه قد يساعد الأب ابنه ولو كان متزوجا.

والكثير من بسطاء المناطق الريفية يميلون إلى الزواج من بعضهم، وكل رب أسرة يعرف ظروف جيرانه وأقاربه ومعارفه، ومستوى البيئة الاجتماعية نفسها، لذلك لا يميل إلى المغالاة أو ترك الفتاة تتقدم في السن بلا زواج، حيث من النادر وجود الثقافة القائمة على تأخير الزواج لانتظار الشاب ذي المواصفات الخاصة.

ورأى علاء الغندور، الباحث المختص في شؤون العلاقات الأسرية بالقاهرة، أن الميزة الأكبر عند الأسرة الريفية أنها لا تزال تتعامل مع الحياة الزوجية بقدسية، لذلك بمجرد أن يصل الشاب أو الفتاة إلى سن الزواج يتم التسريع في تلك الخطوة، سواء كانت العائلة مقتدرة أم لا، المهم أن يُتمم الزواج، ولو بأقل القليل من الإمكانيات.

وأوضح لـ”العرب” أن هناك أعرافا سائدة عند الأسرة الريفية بأن الرجل لا يمكن أن يعيش بلا امرأة، والعكس صحيح، لذلك تتعامل تلك المناطق مع الزواج كفريضة مجتمعية يجب أن تنفذ، وهذه الثقافة لم تعد موجودة بشكل ملحوظ داخل الأسرة الحضرية التي تتعامل مع مؤسسة الزواج بأريحية.

ويتحكم الفارق في المستوى التعليمي والاجتماعي للفتاة في تسريع زواجها أم لا، فالتي لم تتعلم أو حصلت على شهادة متوسطة تكون متقبلة لفكرة الزواج سريعا بعكس الحاصلة على شهادة جامعية، تميل إلى التركيز على مواصلة التعليم والتوظيف والاستقلال وانتقاء الشريك المناسب، وكذلك الشاب.

وقال الاستشاري الأسري علاء الغندور إن هناك ثقافة مستحدثة عند الكثير من الأسر الحضرية، تقوم على ضرورة الحفاظ على الحقوق المالية للفتاة عند الزواج وبعده، بدعوى تأمين حياتها مستقبلا إذا وصلت العلاقة إلى الطلاق، وهذا يثقل كاهل الشباب، مع أن الكثير من الأسر الريفية لا تفكر بتلك الطريقة لأنها تعطل الزواج.

ومهما كانت هناك من مبررات منطقية لكل فئة، فإن ارتفاع معدلات الزواج في الريف مقارنة بالحضر يشير إلى وجود فجوة شاسعة بين الطبقتين حول الهدف والمغزى من مؤسسة الزواج عموما، ويبرهن أيضا على أن العزوف عن تلك الخطوة لا يرتبط كثيرا بالنواحي المالية بقدر ما يتعلق بنواح نفسية وثقافية وتحمل مسؤوليات، فقد يكون الشاب بسيطا ومن حملة المؤهل المتوسط لكنه قادر على العبور بأسرته إلى بر الأمان.

المصدر: العرب