صوت الأطفال الذين أسكتتهم الحرب

عانقتُك كل ليلة، وغنّيتُ لك تهويدةً ببطء. فأنت معتاد على تهويداتي. أغمضت عينيك ببطءٍ ونمت. لكن لم تمضِ ساعةٌ حتى […]

none

عانقتُك كل ليلة، وغنّيتُ لك تهويدةً ببطء. فأنت معتاد على تهويداتي. أغمضت عينيك ببطءٍ ونمت. لكن لم تمضِ ساعةٌ حتى امتزجت أنغام تهويداتي بأصوات الموت، أصواتٌ حوّلت هدوءك الطفولي إلى عالمٍ من الرعب. فجأةً، أغمضت عينيك الجميلتين إلى الأبد، وأصبحت هذه آخر تهويدةٍ لأمٍّ لطفلها البريء.

لم أتخيل يومًا أن تكون هذه الليلة ليلة فراقنا. يوم دخلت حياتي، اكتسب عالمي لونًا ونكهةً مختلفين. كان والدك قد خطط لمستقبلك وأيامك الجميلة؛ أي فصول دراسية سيسجلك فيها، وأي وظيفة ستفيد بها المجتمع في المستقبل… هل كانت تلك الليلة آخر ليلة عائلية لنا؟ لماذا انهار كل شيء في لحظة؟ أحلامي، أحلامك، ما جريمتك؟

ما ذنبي وذنب أبيك؟ لماذا نحتضن جثتك الهامدة، الملطخة بالدماء والتراب؟ كنت طفلًا لا تعرف الدنيا ولا العوالم، كنت نائمًا بسلام دون أن تدري، ودون أن أعلم، ستمطر سماء مدينتي نارًا قريبًا.

كيف لي أن أصرخ بقهرك؟ أحشائي تحترق، وقلبي يحترق، طفلي المظلوم وأبناء وطني المظلومون ملطخون بالدماء. أحشائي تحترق، حرقة من داخل أم، تنهيدة واسعة كعرض العالم، دمعة واسعة كعرض البحر.

كيف أحتمل هذا الحرق؟ كيف أحتمل هذا الحزن؟ كيف للعدو، الذي يدعي الإنسانية، أن يستهدف أطفال بلدي الأبرياء بسهولة، ثم يصرخ في وسائل الإعلام بأنه لا علاقة له بالنساء والأطفال والمدنيين؟!هل كان ابني جنديًا في العشرين من عمره؟ هل كان ابني في الحرب معكم؟ هل كان يعرف الحرب أصلًا؟ هل كان يعرف شيئًا سوى أن عالمه كله قد تحول إلى ألعاب طفولية؟

ما ذنب طفلي حتى دمرت سلامه وحياته هكذا؟ هل يعلم هو وأبناء وطني معنى الحرب وما يدور في خلد دعاة الحرب؟ تعالی وأخبرني، ما ذنبي كأم حتى دمرت أمومتي؟ حتى عندما كنتم تصبن ناركم على طفلي، ظن صوت رعد ومطر. كيف یعرف كم بدأت بالتحريض على الحرب بوحشية وظلم؟

حتى أنه تعلم في ألعابه أن يقاتل كرجل، لكنكم لم تشموا رائحة الرجولة، لقد استهزأتم بالإنسانية، ذات يوم، يا أبناء وطني،آه أمهات سوريات ولبنانيات وكل أمهات دفنّ أبناءهن ظلماً، سيأخذون ثوبكم؛ يوم ليس ببعيد؛ لن يبقى الأمر هكذا ولن تترككم أرواح أبنائنا الطاهرة البريئة بسلام وسيصبح ظلمهم كابوسكم كل ليلة.

كان أشد أشكال الجريمة والمذبحة قسوةً ووحشيةً عندما ارتقت جثث أربعة أطفال أبرياء شهداء من طهران، أعمارهم ۳ و۶ و۴ و۵ سنوات، بين أحضان أمهاتهم وآبائهم المفجوعين. ولا تنتهي وحشية هذا النظام عند هذا الحد؛ فأطفال اليوم لن ينسوا مثل هذه الأيام أبدًا. سيكبرون على هذه الذكرى، وسيُسجَّل اسم هذا النظام في التاريخ كأشد الأنظمة وحشية، كما سُجِّل اسم هتلر إلى الأبد ما دام العالم قائمًا.

نأمل أن يأتي اليوم الذي ينعم فيه العالم بالسلام من وجود النظام الصهيوني، مُحرِّض الحروب وقاتل الأطفال.

معصومة نيكنام