صورة المرأة في السينما المغربية والعربية.. أكثر أداة مثيرة للجدل

تُعَدُّ صورة المرأة في السينما من أكثر الأدوات إثارة للجدل، لأنها تُستثمر في الحملات الدعائية والتسويق الإعلامي إلى جانب الصورة النمطية التي تسجن فيها، وخاصة في السينما العربية والمغربية اللتين لم تتخلصا من أثقال فكرية وسلوكية تحكم المجتمعات وتقولبها ضمن نظرة دونية للنساء.

إذا كانت السينما العالمية قطعت أشواطا نحو تقديم المرأة بصورة أكثر تنوعا واستقلالية، فإن السينما العربية لا تزال تتأرجح بين استغلالها كأداة جذب جماهيري وبين تسويقها كرمز للمعاناة أو كواجهة في المهرجانات الدولية، فهل يسوّق الفضاء العربي للمرأة بوصفها إنساناً كاملاً، أم يختزلها في رموز وأدوار محددة تخدم مصالح السوق؟

اعتمدت السينما المغربية على تقديم المرأة من زوايا متعددة، وقدمت بعض الأفلام صورًا إيجابية تبرز دورها الحيوي في المجتمع، إذ أعطت صورتها كشريك أساسي في الحياة الاجتماعية، كأم، أخت، زوجة، وابنة. منحت الجمهور وعيًا بأهمية حضورها في بناء المجتمع ونشر قيم السعادة والتوازن داخل الأسرة والمجتمع، بينما استغلت بعض الإنتاجات التجارية أنوثة المرأة وجمالها لجذب الجماهير، مجسدة صورًا نمطية سطحية، بعيدة عن المعقول الإنساني والواقعي لدورها، وبرز صراع في السينما المغربية بين التوظيف الفني والتوظيف الربحي للمرأة.

وركزت بعض الأفلام المغربية على قضايا المرأة بوعي فكري واضح، مثل “وشمة” و”الشركي” و”عرائس من قصب” و”بادس” و”نساء ونساء”، وحاولت هذه الأعمال الموازنة بين الفن والرسالة الاجتماعية، وعرضت هذه الأفلام صراعات المرأة في سبيل التحرر والاعتراف بمكانتها، وتناولت القضايا المجتمعية التي تؤثر على حياتها اليومية. واستخدمت الكتابة السينمائية أدوات فنية متعددة لتجاوز الصورة النمطية والارتقاء بالوعي الجماهيري تجاه دور المرأة في المجتمع.

السينما التسجيلية استفادت من الحرية النسبية لتقديم تجارب نسوية أوسع تنقل صورا حقيقية عن النساء ومشكلاتهن

وراقبت السينما المغربية تطور صورة المرأة عبر الزمن، واستفادت من التغيرات الحقوقية والمجتمعية في المغرب، فصارت السينما أكثر إدراكًا لأهمية تمثيل المرأة بشكل مشرف، بما يواكب الاعتراف الحقوقي بوجودها ومساهمتها في المجتمع، وساعد ظهور جمعيات نسائية مناضلة وإعلام عمومي واعٍ في إعادة تشكيل الرؤية السينمائية، وإعطاء مساحة أكبر للأدوار النسائية للمرافعة عن حقوقهن، وأدى ذلك إلى توسيع زاوية المعالجة الفنية لقضايا المرأة.

وانتقدت بعض الأعمال السينمائية المعاصرة التي لم تتخلص بعد من النظرة التقليدية والدونية تجاه المرأة، إذ ظل بعض المخرجين يقرأون واقع النساء بمنظار ضيق، معتمدين على الصور النمطية القديمة، دون إدراك الدور الفعلي الذي تلعبه المرأة في المجتمع المغربي. وهذا النوع من التمثيل حد من تطور الفن السينمائي وأعاد إنتاج قوالب جاهزة تتناقض مع التطورات المجتمعية والتشريعات الحديثة التي كفلت للمرأة مكانتها وحقوقها.

ويدعو العديد من السينمائيين المغاربة إلى ضرورة وعي المخرجين بأهمية دور المرأة قبل تناول أي جانب من جوانب حياتها. وأشاروا إلى أن العمل السينمائي الحقيقي ينتصر للجمال، والجمال هنا مرتبط بالمرأة بشكل لا ينفصل عن الإبداع والعمل الإنساني، فالمخرجون مطالبون بإدراك أن تقديم المرأة كعنصر فاعل في المجتمع يتجاوز الشكل والجاذبية، ويشمل قدرتها على المساهمة في الثقافة والفكر والمجتمع من خلال أعمال فنية متوازنة وواعية، عندما ركزت بعض الأفلام على تصوير المرأة المغربية في صراعها اليومي مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، كونها عرضت شخصيات نسائية قوية تواجه تحديات الحياة بثبات، وهذا التمثيل أتاح للجمهور فهم التجارب النسائية، وساهم في تغيير الانطباعات النمطية، وجعل المرأة محورًا أساسيا في السينما.

ويشدّد هؤلاء على أن تمثيل المرأة يشمل البعد الاجتماعي والثقافي والسياسي، إذ جسدت الأعمال الفنية تجارب نسائية متعددة من فئات مختلفة في المجتمع المغربي، وأظهرت تنوع تحدياتهن وأدوارهن، كما أظهرت هذه التوجهات قدرة السينما المغربية على تقديم قراءة فنية واقعية وشاملة لدور المرأة في الحياة اليومية، بعيدًا عن التبسيط أو التشويه، بينما السؤال الذي سيبقى حول صورة المرأة في السينما المغربية، هو كيفية تقديمها بين أفلام الرواد وأفلام الجيل الجديد؟ هل هي امرأة مغربية أم امرأة يريدها الغرب هكذا؟ أم امرأة تخدم صورة استعمارية؟

ورسمت السينما العربية في بداياتها صورًا نمطية للمرأة أيضا، وظهرت في أدوار محدودة، مثل الراقصة في الملاهي، والزوجة الخائنة، وبائعة الهوى، إذ عكست هذه الصور هيمنة النظرة الذكورية على المجال الفني، وأصبحت المرأة عنصرًا بصريًا أو موضوعًا للخيال الذكوري، وغاب صوتها عن اتخاذ القرار الفني وصياغة خطاب يعبر عن تجاربها الحقيقية، فتقيدت السينما بالأعراف والتقاليد الأبوية السائدة.

وركزت أفلام هنري بركات على المرأة كفاعل اجتماعي، وقدم “دعاء الكروان” عام ۱۹۵۹ نقدًا صريحًا للهياكل الأبوية في إحدى قرى الصعيد، وعرض الحبكة من منظور المرأة وسط قيود اجتماعية صارمة. وبحث “الباب المفتوح” عام ۱۹۶۳ دور المرأة كفاعل سياسي في المجتمع من خلال رؤيتها الخاصة، وطرحت الحرية الشخصية وصراعها مع القيود الاجتماعية في فيلم الحرام عام ۱۹۶۵، مع التمسك بالبعد الريفي والاجتماعي ذاته.

واكتشف إحسان عبدالقدوس قضايا المرأة في السينما من خلال أعماله الروائية وتحويلها إلى أفلام، وقدم “أنا حرة” و”الطريق المسدود” ولا “تطفئ الشمس” كرؤية نسوية ضمن سياق اجتماعي متفاعل مع الحدث السياسي الأوسع، بينما قدم محمد خان في أحلام “هند وكاميليا” تجربة مختلفة، إذ ظهر الرجل هامشيًا في حياة المرأة، وانعكست العلاقات بين النساء على الشاشة كحياة فاعلة ومستقلة.

وركزت المخرجة نادية حمزة على تقديم أعمال معالجة لقضايا المرأة ضمن المجتمع المصري، وابتكرت ۲۳ فيلمًا تناولت فيها العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية، وعرضت هذه الأفلام مشاركة المرأة في الحياة العامة، مع وجود الطابع التجاري والكوميدي في بعض الأعمال، وهذا قلل من جدية المعالجة وأثر على قوة الخطاب النسوي الذي سعت إلى عرضه.

وحاولت السينما الفلسطينية والمغاربية تقديم قراءات جديدة لواقع المرأة، عندما طرح ميشيل خليفي قضية المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال في “الذاكرة الخصبة” عام ۱۹۸۱، وعرض “عرس الجليل” عام ۱۹۸۷ التحديات التي تواجهها النساء بسبب القهر الاجتماعي والسياسي، وقدّمت نجيّة بن مبروك في تونس ضمن فيلم “سما” عام ۱۹۸۸ تصويرًا للشابة صبرا التي رفضت الالتزام بالتقاليد، وطرحت مفيدة التلاتلي في “صمت القصر” عام ۱۹۹۴ حياة علياء ووالدتها في مواجهة الاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي ضمن المجتمع التونسي، مع التركيز على الطبقة والدين والجنس والصراع ما بعد الاستعماري، وقدّمت فريدة بليزيد في المغرب ضمن “باب السما مفتوح” عام ۱۹۸۹ تجربة مهاجرة شابة تدير ملجأ للنساء، وعرضت قدرتهن على تنظيم حياتهن وإدارة أعمالهن الشخصية.

المرأة فاعل اجتماعي مهم

أما السينما التسجيلية فاستفادت من الحرية النسبية لتقديم تجارب نسوية أوسع تنقل صورا حقيقية عن النساء ومشكلاتهن، وطرحت هايني سرور في “ساعة التحرير دقت” عام ۱۹۷۴ قدرة النساء على المشاركة في حرب العصابات والمقاومة، وأثبتت أنهن قادرات على القيام بمهام كانت تعتبر حكرًا على الرجال. وأظهرت عطيات الأبنودي في “الأحلام الممكنة” عام ۱۹۸۲ و”نساء مسؤولات” عام ۱۹۹۴ و”راوية” عام ۱۹۹۵ و”بطلات مصريات” عام ۱۹۹۷ صمود النساء الفقيرات في الريف، وقدرتهن على مواجهة الأمية والضغوط الاقتصادية، والسعي وراء التعليم والاعتماد على الذات.

وأكدت هذه التجارب أن السينما العربية لم تصل بعد إلى صياغة خطاب نسوي متكامل ومستمر، لكنها فتحت المجال أمام طرح القضايا النسوية على الشاشة بطرق متنوعة. وأظهرت الأعمال أن صوت المرأة يمكن أن يتحول إلى عنصر فاعل في السرد السينمائي، وأن التحدي يكمن في تمكين المخرجات ودعم التجارب التي تسمح بعرض المرأة بصوت مستقل، بعيدًا عن الصور النمطية التقليدية والأدوار المحدودة.

تستغل السينما العربية في الكثير من الأحيان صورة المرأة عبر حصرها في جمالها الخارجي أو في أدوار الإغراء، فتتحول الملصقات إلى فضاء بصري يُسوِّق للجسد أكثر من الدور الفني. هذا النمط يساهم في تكريس صورة سطحية للمرأة ويجعل حضورها مرتبطاً بإرضاء السوق أكثر من التعبير عن واقعها، بينما تعتمد السينما الاجتماعية العربية على تسويق المرأة كرمز للتضحية والمعاناة، إذ يُبرزها الفيلم كأم مثالية أو زوجة مهمشة، كما في العديد من الأعمال المصرية أو المغربية التي تبني نجاحها التجاري على استدرار العاطفة أكثر من إغناء النقاش حول مكانة المرأة.

وتستثمر السينما العربية الحديثة قضايا المرأة لتسويق أفلامها في المهرجانات الدولية، فنجد أعمالاً مغاربية وشرق أوسطية تطرح موضوعات مثل العنف ضد النساء أو حرية الجسد أو المرأة المستقلة، غير أن هذا الاستثمار قد ينقلب إلى بضاعة مهرجانية حين يُقدَّم لمجرد إرضاء الذائقة الغربية دون معالجة جذرية حقيقية داخل المجتمع، لأن المرأة الحقيقية في المجتمعات العربية ذات أصول وجذور ومنهج غريزي أسري بالدرجة الأولى، وهذا أيضا يطرح سؤالا قويا، فهل ما تقدمه السينما العربية الحديثة عن المرأة العربية هو صورتها الحقيقية الأصيلة، أم ما تحاول أن تمرره للأجيال.

العرب