اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
بحسب تقارير الأمم المتحدة، أكثر من ۸۵% من سكان غزة نزحوا منذ بدء العدوان، تاركين خلفهم منازل مدمَّرة أو غير صالحة للسكن. النساء يشكّلن الشريحة الأكثر هشاشة في هذا النزوح؛ فهنّ يحملن على عاتقهنّ مسؤولية الأطفال وكبار السن، في ظل غياب أبسط مقومات الحياة من مأوى، ماء وغذاء.
المأساة تتضاعف مع إعلان منظمة الصحة العالمية أن غزة دخلت رسمياً مرحلة المجاعة في أغسطس الماضي، حيث يعيش أكثر من نصف مليون شخص في حالة جوع مدقع. وتشير تقارير برنامج الغذاء العالمي واليونيسف إلى أنّ ۵۵۷ ألف امرأة يواجهن انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، بينما يُتوقع أن يصل عدد الحوامل والمرضعات اللواتي يعانين من سوء تغذية خطير إلى ۵۵ ألفاً خلال الأشهر المقبلة.
المأساة لا تقف عند حدود الجوع والنزوح. وفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، سُجّل في غزة خلال الفترة من يناير حتى يونيو ۲۰۲۵ حوالي ۱۷,۰۰۰ ولادة فقط، مقارنة بنحو ۲۹,۰۰۰ ولادة في نفس الفترة من عام ۲۰۲۲، أي انخفاض يزيد على ۴۱%. كثير من هذه الولادات كانت مبكرة أو لأطفال بوزن منخفض، واضطرت أعداد كبيرة من المواليد إلى دخول وحدات العناية المركزة.كما تم تسجيل وفيات بين المواليد خلال أول ۲۴ ساعة من حياتهم، في ظل غياب الرعاية الطبية الكافية. وتشير التقديرات إلى أن نحو ۵۵,۰۰۰ امرأة حامل يواجهن مخاطر مضاعفة تشمل الإجهاض، الولادات الميتة، والولادات المبكرة، بينما تُجرى بعض العمليات القيصرية الطارئة في ظروف غير إنسانية داخل مستشفيات مكتظة أو على طرق النزوح، وسط نقص حاد في الأدوية والكهرباء والوقود.
لا ينزح المدنيون فقط هرباً من القصف، بل أيضاً بحثاً عن الغذاء والماء بفعل الحصار. تقارير الأمم المتحدة وثّقت حوادث وفاة وإصابات لمدنيين – بينهم نساء – أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات أو التنقّل بين مناطق النزوح. وهكذا تجد النساء أنفسهن أمام خيارين مريرين: مواجهة خطر الموت تحت القصف، أو المجازفة في طرق النزوح التي لا تضمن الحياة.
الأبعاد النفسية والاجتماعية لهذه المأساة لا تقل خطورة. فالنزوح المتكرر والخسارة المستمرة والعيش بلا مأوى ثابت، كلها عوامل تنهك النساء جسدياً ونفسياً. وفقدان الأمان والخصوصية في مراكز الإيواء يزيد من مخاطر العنف والاستغلال. أما الأمهات، فيتحمّلن مسؤولية مضاعفة في رعاية الأطفال وكبار السن وسط ظروف غير إنسانية.
في مواجهة هذه الحقائق، تطالب المنظمات الدولية بوقف فوري لإطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية آمنة، وتقديم مساعدات غذائية وصحية عاجلة، مع توفير خدمات مخصصة للنساء الحوامل والمرضعات وضمان إجراء عمليات الولادة – بما فيها القيصرية – في ظروف طبية ملائمة. كما تدعو إلى حماية النازحات من الاستغلال، ومساءلة إسرائيل على جرائمها ومنعها لوصول المساعدات الإنسانية.
الصورة الخارجة من غزة تختصر حكاية آلاف النساء اللواتي يواجهن المجهول. بين القصف والجوع، بين النزوح والموت، وبين معركة الولادة تحت سماء لا تُهدي أماناً، تبقى المرأة الغزية شاهداً على مأساةٍ مضاعفة: مأساة البقاء حيّة في مكان لم يعد يصلح للحياة.
نساء FM