عمان.. تدني مشاركة المرأة الاقتصادية، هل من حلول؟

فيما يبلغ المتوسط العالمي لمشاركة المرأة في سوق العمل نحو 48 %، وحوالي 19.5 % على المستوى العربي، ما زالت معدلات مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل أدنى من ذلك بكثير، رغم الارتفاع الكبير لنسبة الخريجات الجامعيات اللائي يشكلن ما نسبته نحو 70 % من إجمالي الخريجيين الجامعيين في الأردن، ما يفتح باب التساؤلات واسعا حول المعيقات التي تحول دون حضور المرأة بكثافة في سوق العمل؟ وما المطلوب لتعزيز مشاركتها به؟

وأكد خبراء اقتصاديون أن تدني نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل هي انعكاس لمشكلة البطالة المتنامية في الأردن منذ نحو العقد، إضافة إلى عدم تكافؤ فرص العمل بين الجنسين، إلى جانب الثقافة المجتمعية التي تحصر عمل النساء في كثير من الأحيان في قطاعات محددة لا سيما التعليمة والصحية.

ويضاف إلى ذلك عدم توافر الحضانات في مؤسسات العمل، إضافة إلى ضعف منظومة النقل العام لا سيما خارج العاصمة عمان.

وشدد هؤلاء الخبراء على أن انخفاض نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، ينطوي على مخاطر جمة منها، تعمق مشكلة الفقر وانخفاض معدلات النمو في المجتمع إلى جانب تدني المستوى المعيشي للأسر خاصة التي تعتمد على معيل وحيد، حيث تشكل النساء نسبة كبيرة من القوى العاملة لكنها مجمدة وهو ما يؤثر على دورة الاقتصاد والإنتاج.

وبغية زيادة مشاركة المرأة اقتصاديا وخفض مستوى البطالة في أوساط الإناث، دعا الخبراء إلى أهمية تدشين صندوق دعم دائم لقطاع رعاية الحضانات لأنه دون استدامة الحضانات لا يمكن أن تستمر المراة في العمل طويلا خاصة مع شح الحضانات محليا، إلى جانب وجوب تطوير السياسات المحلية الداعمة للمرأة، والتوسع في التشريعات والقوانين الداعمة والمعززة لعمل المراة.

ويضاف إلى ذلك أهمية تشجيع الحكومة القطاع الخاص على توفير المزيد من فرص العمل للنساء، علاوة على أهمية تشجيع النساء على الانخراط في كافة القطاعات، فضلا عن تحسين بيئة العمل الخاصة بالنساء من خلال الارتقاء بوسائل النقل العام وإلزام المؤسسات على توفير نقل مؤسسي خاص بالإناث.

وكشفت البيانات الصادرة مؤخرا عن دائرة الإحصاءات العامة أن معدل مشاركة المرأة الاقتصادية المنقح، بلغ خلال الربع الثاني من العام الحالي ۱۴ % مقارنة مع ذات الفترة من العام الماضي، حيث إن هذا المعدل يقل كثيرا عن معدل مشاركة المرأة اقتصاديا عربيا وعالميا، والذي يقدر بـ۱۹٫۵ %، و۴۸ % تواليا.

وقالت رئيسة ملتقى سيدات الأعمال والمهن الأردني ريم البغدادي إن ارتفاع نسبة البطالة بين الإناث محليا وانخفاض معدل مشاركتهن في الاقتصاد الوطني يعود بشكل أساسي لعدم تكافؤ فرص العمل بين الرجال والنساء، إضافة إلى انحسار التوجه الإكاديمي في أوساط خريجات الجامعيات على التخصصات الصحية والتعلمية مدفوعات بالصورة النمطية للعمل المرأة في المجتمع وهو ما نجم عنه عزوف الإناث من الإقدام على التخصصات المهنية، حيث إن النسبة الأكبر من النساء العاملات في الأردن يتركزن في قطاعات التربية والتعليم والصحة مقارنة مع تدنيها في قطاع الصناعات وغيرها من القطاعات الإنتاجية.

ويضاف إلى ذلك العوامل الثقافية والاجتماعية التي تؤثر على انخراط النساء في كثير من القطاعات لا سيما التجارية والخدمية التي تكاد تقتصر العمالة بها على الذكور، عدا عن انخفاض الأجور وعدم مساواتها مع الأجور التي يحصل عليها الرجال.

وأكدت البغدادي أن انخفاض نسبة مشاركة المرأة الاقتصادية تنطوي على مخاطر اقتصادية واجتماعية جمة، خاصة وأن النساء يشكلن نسبة كبيرة من المجتمع الأردني إذ يمثلن نحو ۵۰ % من المجتمع ، وهو ما يؤدي إلى إهدار فرص اقتصادية كبيرة لعدم استغلال هذه القوى البشرية مما يؤثر على معدلات النمو الاقتصادي، إضافة إلى استمرار المستوى المعيشي للمواطنين بالتدني نتيجة اعتماد الأسرة على معيل وحيد، هو ما يكون عكس ذلك للأسر التي عمل فيها الزوج والزوجة أو أكثر من شخص في العائلة.

أعمارهن على خمسين عاما تبدو ضئيلة للغاية وتشكل ما نسبته ۱ % فقط.

وأوضحت أن مؤسسة صداقة وغيرها من المؤسسات والجهات المعنية بحقوق المرأة، تمكنت خلال الفترة الماضية من إنجاز كثير من التعديلات التشريعية التي لها دور في تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل كإدخال انصاف الأجور بين الجنسين في التشريعات الرسمية، إضافة إلى قطع شوط طويل نحو تكريس انتشار الحضانات العامة في مختلف المؤسسات من خلال خلال تعديل عدد من مواد قانون الضمان الاجتماعي ومنها المادة ۷۲ والتي تم تعديلها للسماح لأكثر من منشأة الاشتراك في إنشاء حضانة عامة إضافة إلى تعديل المادة ۴۲ من قانون الضمان الاجتماعي والمتعلقة بنظام الحماية الاجتماعية المرتبط بتأمينات الأمومة من خلال وضع برنامجين الأول دعم الكلف التشغيلية المخصص لدعم قطاع الحضانات والتي تعد القطاع الأساسي للعمل المرأة، من خلال دعم اشتراكات العاملات في الحضانات في الضمان الاجتماعي، أما البرنامج الثاني فهو رعاية الحضانة من خلال تقديم أقساط شهرية تصرف للأمهات العاملات لمدة ۶ أشهر لتغطية كلف وضع أبنائهن في الحضانات.

وأكدت نصار أن تعزيز مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل يتطلب العمل على الارتقاء بمنظومة النقل العام وتحسينها، لا سيما في المحافظات، إضافة إلى تحسين مستويات الأجور، فضلا تكريس مبدأ الكفاءة في التعيينات وتعبئة شواغر فرص العمل، إلى جانب أهمية تدشين صندوق دعم دائم لقطاع رعاية الحضانات لأنه دون استدامة الحضانات لا يمكن أن تستمر المرأة في العمل طويلا خاصة مع شح الحضانات محليا، إذ إن نسبة التحاق الاطفال بالحضانات محليا لا تتخطى ۳ %.

من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت، أن انخفاض نسبة مشاركة المرأة الاقتصادية انعكاس طبيعي لمشكلة البطالة التي تنامت في الأردن خلال العقد الأخير، إضافة إلى تفضيل العديد من المؤسسات توظيف الذكور على الإناث خاصة المتزوجات منهن، بسبب الإجازات الطويلة التي تحصل عليها في حال الولادة، إلى جانب شروط توفير الحضانة، وهو ما يدفع بعض المؤسسات إلى تفضيل الذكور.

ويرى الكتوت أنه كلما انخفضت مشاركة النساء في العملية الاقتصادية، أدى ذلك إلى تعمق مشكلة الفقر وانخفاض معدلات النمو في المجتمع، حيث تشكل النساء نسبة كبيرة من القوى العاملة لكنها مجمدة وهو ما على دورة الاقتصاد والإنتاج.

إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي زيان زوانة إن أهم معيق لمشاركة المرأة في سوق العمل يتمثل بعدم توفر منظومة جيدة، حيث إن ضعف منظومة النقل يشكل عاملا معيقا حقيقيا أمام شبابنا وشاباتنا، وخاصة الشابات الباحثات عن العمل، إضافة إلى ضعف معدل النمو الاقتصادي، الذي يفاقم من مستويات البطالة ويحد من قدرة الاقتصاد على استحداث فرص العمل.

ومن أجل توسيع دائرة مشاركة المرأة اقتصاديا، دعا زوانة إلى ضرورة إلزام المؤسسات المختلفة على توفير خدمة النقل المؤسسي للإناث، أضافة إلى أهمية ضرورة توفير البيئة الصديقة للمرأة في القطاعات الخدمية والصناعية التي تعزف عنها النساء نتيجة لتوجهات الاجتماعية.

المصدر: شفقنا