اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
كلما مرت ذكريات الأمس بِنا تمنينا يومًا خاليًا من صوت الزنانات وهزة الصواريخ، وأسماء الشهداء وصراخ الأطفال وحزن الأمهات، وفاجعة الآباء، وهموم الزوجات، كلما رأينا ظلمة الليل تمنينا زوال ظلم اليهود وبطشهم، ودعونا الله بليلة هادئة دون قصف وخوف وقلق، رجونا مولانا أن لا نصحوا على فقدٍ أليم أو حزن لا يغيب.
كنا حينما نسأل الصغار ماذا تتمنون أن تصبحوا بعدما تكبروا، تتعالى الأصوات ما بين طبيب ومعلمة والكثير من الأحلام الكبيرة، أما اليوم ف انتهاء الحرب، وشبع بعد جوع وري بعد ظمأ، حياة بلا قصف، أيام بلا تعب، سعادة بلا حزن، اجتماع بلا فراق، بل أمنية الكثيرين رؤية وجه أمه أو أبيه أو حتى إخوانه.
ما أجمل الأطفال قبل حرب الإبادة الجماعية، وجوههم تعلوها البسمة، ثيابهم نظيفة وأنيقة، صحتهم جيدة، حياتهم بين لعبٍ ودراسة، أما اليوم جلّهم يصطفون على تكية الطعام والماء، الحزن لا يفارقهم، والتعب في عيونهم قد هدّ أجسادهم الرقيقة، أما ملابسهم فهي للحرب فقط، نسوا شكل الزي المدرسي ولهفتهم لارتدائه.
كنا حينما نسأل الصغار ماذا تتمنون أن تصبحوا بعدما تكبروا، تتعالى الأصوات ما بين طبيب ومعلمة والكثير من الأحلام الكبيرة، أما اليوم ف انتهاء الحرب، وشبع بعد جوع وري بعد ظمأ، حياة بلا قصف، أيام بلا تعب، سعادة بلا حزن، اجتماع بلا فراق، بل أمنية الكثيرين رؤية وجه أمه أو أبيه أو حتى إخوانه، فكم منهم بقي وحده يمضي حياته دون حُب أبيه وحنان أمه أو دفء عائلته.
للهِ قلوب النساء أمًا وزوجة وابنة وأختًا، كم حوت قلوبهن من وجعٍ، ما زالت أرواحهن تتحمل أعباء الحياة وآلام الفقد وطول الطريق بقلبٍ ثابت وعزم لم يلِن، رغم شدة النصب الذي يلاقونه وهن يجلسن أمام موقد النار، أياديهن اللاتي تشققن من الغسيل عليهن، ظهورهن انحت رغمًا عنهن وهن يحاولن ألا يتعبن مهما قست الحياة عليهن، الرجال أبًا زوجًا أخًا ابنًا.
كم أخذت الحرب من صحة أجسادهم، ينقلون الماء من مسافات طويلة إلى أماكنهم، ويسعون إلى رزقهم كل صباح مشيًا على الأقدام، يحملون في قلوبهم هم الحياة ومرارة الحرب وقسوة الأيام. كم غيرت الحرب من وجوههم، كم سكن الحزن أرواحهم، كم كبلت الحيرة أيديهم ما بين نزوحٍ وجوعٍ وانعدام مقومات الحياة، وخوفًا على حياة من يعيلونهم.
لم تعد غزة كالسابق، كل شيء فيها غاب ولم يعد، أصبح نبأ الشهداء وألم الفقد حديث الصباح، واستوداع الأحباب لله حديث المساء، ولهفة الاطمئنان عليهم أمنية كل لحظةٍ ولقاء، هكذا كل يوم وليلة، كم من أمٍ تذوبُ شوقًا لابنها الذي رحل دون أن يكون له قبر وغاب عنها دون أن تحظى بنظرة الوداع، فما انطفئ لهيب النار في قلبها ألمًا لعظم مصابها وكم من زوجة وابنة وأخت تجرعن ذات الألم حزنًا على من فقدن ولم يودعن.
يؤلمنا بكاء الأطفال حينما يمرضون لكن في الحرب الألم الذي سكن قلوبنا ونحن نراهم يبكون جوعًا ولا نستطيع فعل شيء أقسى وأوجع، كُل صعب في الحياة يهون يومًا بعد يوم إلا فراق الأحبة فإنّه يزداد مرارة كلما بزغ فجر جديد ولا شيء يُخفف من آلامه سوى اجتماع ثانٍ في الجنة.
فكم من الشهداء لا يزالون تحت الأنقاض كلما مرَ طيفهم أمام أحبابهم هبت نسائم الذكريات التي جمعتهم بهم، لم نتخيل أن نشتهي شربة ماء أو لقمة خبزٍ أو قليل من طعام، أي شيء، المهم ما يسد جوعًا قاسيًا، لكننا اشتهينا كثيرًا كثيرًا، وما أصعب أن تشتهي ولا تجد، فقط تتحسر، وتأن.
يؤلمنا بكاء الأطفال حينما يمرضون لكن في الحرب الألم الذي سكن قلوبنا ونحن نراهم يبكون جوعًا ولا نستطيع فعل شيء أقسى وأوجع، كُل صعب في الحياة يهون يومًا بعد يوم إلا فراق الأحبة فإنّه يزداد مرارة كلما بزغ فجر جديد ولا شيء يُخفف من آلامه سوى اجتماع ثانٍ في الجنة، يؤلمني حديث الأمهات وهن يعبرن عن شوقهن لأبنائهن ب “اشتقت إليه كثيرًا” كان وكان وكان، وذاك الرجل الذي فقد ستة من أبنائه مرةً واحدة غابوا عن عينهِ وما فارقوا قلبه، أما العرائس اللاتي فقدن فرحة عمرهن ورفيق دربهن، فقد اقتحمهن الحزن وهن يتجهزن لسعادتهن.
فما كان لهن إلا أن سلمن أمرهن لله وحاشاه سبحانه أن يُضيعهن، ما أجمل البيوت حينما كانت مليئة بأهلها، لكل بيت حكايات جميلة وضحكات لا تنسى، أما اليوم فغدت الخيام المأوى الذي لم تتقبله النفس لكنها لم تجد مكانًا آخر تسكن إليه، كم غيبت الحرب عنّا أحبابًا وسلبت منا أفراحًا وأسكنت قلوبنا أحزانًا.
كم ضيقت علينا الحال وأذاقتنا مرارة الأيام، كم تمنينا الموت مرارًا وقاومنا اليأس مرات. كم حاولنا النهوض بعد كل سقوط وعودنا النفس على الصبر بعد التعب وعلى الثبات بعد البكاء وعلى الاستمرار بعد التوقف، كم تعبنا وبكينا وناجينا مولانا، كم سرنا طرقات على الأقدام وحملنا الأغراض على الأكتاف من نزوحٍ إلى نزوح، ومن خوفٍ إلى آخر.
كم تاقت الأجساد إلى الراحة، والأرواح للسعادة والقلوب إلى الإطمئنان، كم تاقت النفس لكنها لِمَا تاقت ما نالت، عام وسبعة أشهر والحرب تسلب منا كل شيء، فمهما كتبنا وشاركنا وأوصلنا صوت وصورة غزة يبقى الواقع الذي نعيشهُ أكثر صعوبة وأثقل حالًا، لكنها لليوم وإلى آخر نفس فينا لم ولن تسلبَ إيماننا بالله وحسن ظننا به سبحانه بأنّ وعده لنا بالنصر آتٍ ولو بعد حين.
يبقى عزاؤنا في ما نلاقيه أنّ هذه الإبتلاءات أجور عظيمة عنده سبحانه وتعالى إن صبرنا لذا نسأل الله العظيم أن يمدنا بالصبر والثبات دائمًا، وأن يكرمنا بالجنّة العوض الدائم عن كل هذا الفقد، فعن أبي هريرة – رضي اللهُ عنه -: قال: قال رسول الله ﷺ: قال الله تعالى: “أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر” فاقرؤوا إن شئتم: “فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قُرة أعين جزاء بما كانوا يعملون”.
بنفسج