قاطفات القات… ربّات بيوت ومعيلات أسر في اليمن

تمثل المرأة في جبل صبر بريف تعز جنوب غربي اليمن نموذجاً للمكافحة التي تتحمّل مسؤولية إعالة أسرتها، فهي ربّة بيت تهتم بتربية أولادها وتنشئتهم، وأيضاً معيلة لأسرتها من خلال تنفيذها مهمات عمل مختلفة من بينها قطف القات، وهي نبتة يمضغها اليمنيون يومياً بوصفها عادة اجتماعية لاعتقادهم بأنها تمنحهم نشوة نفسية، ثم بيعه إلى "المقوت" (بائع القات) الذي يحمله من الريف إلى المدينة لتسويقه. وتجمع المرأة المال الذي تحصل عليه من بيع القات، وتستخدمه في إدارة الشؤون المالية للبيت.

في ستينياتها، لا تزال مِلاح، وهي ربّة بيت من جبل صبر، تلتزم بقطف القات بعد أداء صلاة الفجر، وتجني يومياً من بيع هذه النبتة مبلغاً مالياً يختلف بين يوم وآخر، ويراوح بين ۲۰ ألف ريال (۸٫۶۳ دولارات) و۱۰۰ ألف ريال (۴۳٫۲ دولاراً).
تستخدم مِلاح المال الذي تجنيه في إدارة شؤون البيت عبر شراء الاحتياجات اليومية وتوفير مبالغ كبيرة لإنجاز المشاريع الحياتية الكبيرة مثل تزويج أحد أبنائها أو بناء منزل أو شراء خزان لحفظ المياه. وتقول لـ”العربي الجديد”: “نعتمد على شجرة القات مصدرَ رزقٍ، وزوجي توفي وترك أربعة أولاد وبنتين، وأنا لم أتزوج بعده، بل توليت تربية أولادي وكافحت لأجلهم، وأصبح أحدهم اليوم دكتوراً في الجامعة، والثاني طبيباً، أما الثالث والرابع فمهندسان. وجميعهم تزوجوا، ولا أزال أهتم بأشجار القات في القرية التي أسكن فيها مع ابنتي الصغيرة وزوجة أحد أبنائي وأطفاله”.
تضيف: “تعتني المرأة بشجرة القات لأنها مصدر دخل رئيسي في جبل صبر، فالرجل يحرث مزارع القات لأنها عمل شاق لا  تستطيع أن تفعله المرأة التي تهتم بأشجار القات من خلال البِرّاح (إزالة الأوراق الكبيرة من الشجرة) وتسميد الشجرة وسقيها بالماء، وهذه أعمال شاقة أيضاً. كما تقطف المرأة القات وتبيعه للمقوت الذي يسوقه في المدينة، وتجمع المال الذي تجنيه لإدارة شؤون البيت اليومية، حيث تدخر ما تجمعه في الصيف لأيام الشتاء الذي يكون الحصاد فيه شحيحاً بسبب انعدام الماء وعدم نزول المطر”.

تحتل زراعة القات أكثر من نصف المساحة الزراعية في اليمن

وتقول نجاح حميد عقلان، المديرة العامة لهيئة تنمية المرأة في ديوان عام محافظة تعز، لـ”العربي الجديد”: “تلعب المرأة اليمنية في مناطق، مثل جبل صبر بتعز، دوراً محورياً في دعم أسرتها من خلال عملها في قطف القات الذي يوفر محصولاً نقدياً ذات عائد سريع يساهم في دعم الأسرة مالياً، فهو يغطي الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والتعليم والرعاية الصحية. وقد يتناسب هذا العمل مع المسؤوليات المنزلية للمرأة التي تستطيع جمع دخل من دون إهمال الأسرة. ويُعد القات مصدر دخل أكثر ربحاً من بعض المحاصيل التقليدية في العديد من المناطق اليمنية، ما يعزز دور المرأة التي تقطف القات كمعيل رئيسي في غياب البدائل”. 
تضيف: “من أسباب تحمّل المرأة مسؤولية الإعالة في المجتمعات الريفية، مثل جبل صبر، هو هجرة الرجال للعمل في المدن أو الخارج، وتركهم النساء كمعيلات وحيدات، وأيضاً بسب انتشار البطالة بين الرجال بسبب ضعف الاقتصاد أو قلّة الفرص، والثقافة المجتمعية في هذه القرى حيث تقبل عمل النساء في زراعة وقطف وبيع القات رغم تقليدية الأدوار، لتحسين الأحوال الاقتصادية للأسرة، ومواجهة الأزمات التي تمر بها البلاد مثل الحروب التي تُعطِّل مشاركة الرجال في سوق العمل”. 
وتشير عقلان إلى أن “النساء قد يظهرن مرونة في تلبية الاحتياجات اليومية، ودعم التعليم، والحفاظ على استقرار الأسرة رغم التحديات اليومية. ومن ضمن هذه التحديات التعامل مع تقلبات أسعار الصرف، وانعدام التنويع الاقتصادي في المحاصيل النقدية في هذه القرى، وغلاء سعر القات في مواسم معينة، وهناك تحديات صحية كالإجهاد الجسدي بسبب طبيعة العمل، وساعاته الطويلة، والتحديات الاجتماعية مثل وصمة العار التي تلاحق هؤلاء النساء أحياناً، أو عدم الاعتراف الكافي بمساهمتهن وتحميلهن أعباء إضافية فوق طاقاتهن”. 

وترى عقلان أن “الشراكة بين الرجل والمرأة في هذا المجتمع غير متوازنة، وقد يُعاد توزيع الأدوار بسبب الضرورة مثل مواجهة البطالة من دون أن يحصل تغيير جذري في صلاحيات اتخاذ القرار داخل الأسرة. وقد يؤدي تحدي الأدوار في المجتمعات الريفية إلى إظهار النساء قدرتهن على التعامل مع الأمور الاقتصادية ما يفتح الباب لحوار حول المساواة، وفي بعض الحالات النادرة يُشارك الرجال في الأعمال المنزلية أو الزراعية، لكن الثقافة السائدة قد تُقلل من هذه الشراكة”. 
وتلفت عقلان إلى أنه رغم النجاح النسبي للمرأة في الإعالة تظل التحديات الهيكلية كالاقتصاد الآحادي والتمييز عائقاً، لكن دورها العام يعكس تحولاً نحو شراكة قائمة على الضرورة أكثر من المساواة الفعلية، ما يُشكل خطوة نحو إعادة تعريف الأدوار الجندرية في المجتمع.
ويقول الباحث الاجتماعي محمد نجيب لـ”العربي الجديد”: “تضطلع قاطفات القات بدور مجتمعي كبير وبارز يجسّد العلاقة التشاركية والتكاملية بين الرجل والمرأة. ويؤكد هذا الدور قدرة المرأة على تحمّل مهماتها التي لا تنحصر في التنشئة والتربية والاهتمام بالأعمال المنزلية، بل تتعداها إلى تولي الإعالة وإدارة أمور البيت بشكل كامل، وتوزيع المهمات بين أفراد الأسرة والإشراف عليها، أي إن قاطفة القات تملك خبرة إدارية كبيرة اكتسبتها بالخبرة والتجارب”.
يضيف: “ظاهرة وجود قاطفات القات في جبل صبر بريف تعز يعكس الثقافة المدنية وحالة الوعي داخل المجتمع، ولعبها دوراً كبيراً يتجاوز النظرة التقليدية التي تحبسها بين أربعة جدران، لذا نلاحظ أن قاطفات القات نجحن في بناء مجتمع متعلم مقارنة بالمجتمعات الأخرى. ومجتمع جبل صبر في تعز من بين أكبر المجتمعات في اليمن التي تملك كادراً مؤهلاً يضم الكثير من حملة الدراسات العليا في جميع التخصصات، مثل الطب والهندسة والقانون والعلوم المالية والمصرفية وغيرها”.

وقالت منظمة الصحة العالمية في تقرير سابق إنّ نحو ۹۰% من الذكور البالغين في اليمن يمضغون القات بين ثلاث وأربع ساعات يومياً، أما نسبة الإناث اللواتي يتعاطينه فتتجاوز ۵۰%.
ويستفيد نحو ۱۳% من سكان اليمن اقتصادياً من خلال زراعة القات والاتجار به. ويوفر القات للسلطات عوائد مالية كبيرة سنوياً بفضل الضرائب المفروضة التي تبلغ ۲۸% من قيمته السوقية، بحسب القانون الذي ينظم بيعه وشراءه والذي يعود إلى عام ۲۰۰۰٫
وتحتل نبتة القات أكثر من نصف المساحة الزراعية في اليمن، إذ تستحوذ على نسبة ۵۸٫۸% من إجمالي الأراضي المزروعة بسبب تزايد الطلب عليها، علماً أن زراعة نبتة القات لا تحتاج إلى مجهود كبير.
وتستهلك نبتة القات نحو ۵۵% من إجمالي المياه المستهلكة في البلاد، ما يمثل تهديداً لمستقبل المياه الجوفية التي يعتمد عليها السكان في شكل رئيسي.

المصدر: العربي‌الجدید