لبنانيات يصرن على المشاركة الانتخابية رغم التحديات

مع أن لبنان كان من أوائل الدول العربية التي منحت المرأة حق الاقتراع والترشح منذ عام 1953، فإنّ حضورها في الحياة السياسية لا يزال خجولاً. في انتخابات عام 2016، لم تشكّل النساء سوى 5.4% من أعضاء المجالس البلدية والاختيارية، مع 661 فائزة من أصل 12.139 مقعداً، على الرغم من أن عدد المرشحات بلغ 1508، مقارنة بـ 1349 في انتخابات عام 2010، التي أفرزت 536 فائزة.

أما في انتخابات المخاتير، فقد ترشحت ۳۸۱ امرأة، ولم تفز سوى ۵۷، في مشهد يختصر واقع الإقصاء عن مواقع القرار الفعلي. فلا تزال المرأة تُحاصَر في زوايا العائلة والحزب والطائفة، ولا يُسمح لها بخوض العمل البلدي إلا بشروط مسبقة أو عبر بوابات ضيقة.
يُذكر أن لبنان شهد فقط ستة استحقاقات بلدية بين عامي ۱۹۵۲ و۲۰۱۶، نتيجة التمديدات المتتالية خلال الحرب الأهلية وما تلاها، إلى أن أعادت انتخابات ۲۰۰۴ الانتظام إلى هذا المسار، وأتاحت فرصة لرصد تحسّن في انخراط النساء، بلغت نسبته أكثر من ۱۵% بين عامي ۲۰۰۴ و۲۰۱۶٫ ولا يمكن إنكار الجهود المدنية والأهلية ونضالات النساء والجمعيات في هذا الإطار.
ورغم أن مقترح الكوتا الجندرية الذي طُرح عام ۲۰۰۶، نصّ على تخصيص ۳۰% من اللوائح و۲۰% من المقاعد للنساء، إلا أنه بقي حبيس الأدراج منذ عام ۲۰۱۰٫ في المقابل، شهدت القوانين هذا العام بعض التعديلات قبل بدء الانتخابات في مايو/أيار الجاري، وعدّل وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار المادة ۲۵ من قانون البلديات، بما يسمح للمرأة المتزوجة بالترشح في بلدتها الأم أو في بلدة زوجها.
اليوم، وبعد تسع سنوات من الشلل الذي أصاب المجالس البلدية بفعل التمديدات والانهيار، تخوض مئات اللبنانيات غمار الانتخابات. لا يدخلن هذا الاستحقاق كحالات رمزية أو أرقام لتزيين اللوائح، بل كخيار سياسي واجتماعي يسعى إلى تغيير المعادلة من الداخل. يضعن برامجهن، ينظمن حملاتهن، يشاركن في الندوات وورش العمل، ويواجهن رواسب السلطة بكل ما تحمله من مخاوف تجاه أي تغيير يمس توازناتها التقليدية.
في هذا السياق، تقول رماح قبيسي، المرشحة المستقلة في الانتخابات الاختيارية لبلدة الدوير، قضاء النبطية، لـ “العربي الجديد”: “سبب ترشحي الأساسي هو إثبات أنّ للمرأة دوراً فعلياً في القطاع العام”. تتابع: “في قضاء النبطية، لم تترشح أي امرأة سابقاً لمنصب مختار. أردت أن أكون صورة مشرقة لبلدتي، وأفتح باباً يمكن أن تعبر منه كثيرات في المستقبل”.
وعن محاولات استمالتها من قبل القوى السياسية، توضح قبيسي: “قد تحاول بعض الأحزاب التواصل معي لسحب ترشحي مقابل ضمي إلى لائحة توافقية في المجلس البلدي، لكنني لن أقبل. جرّبناهم، وبلغنا مرحلة بات فيها التغيير ضرورة لا خياراً”.

أما علاء سيّور، المرشحة المستقلة في الانتخابات الاختيارية في باب التبانة، في مدينة طرابلس الواقعة شمال لبنان، والمعروفة بكونها منطقة محافظة تعاني التهميش والفقر وتشهد اشتباكات متكررة، فتخوض اليوم تجربتها الرابعة في الترشّح. تقول لـ”العربي الجديد”: “لا أنتمي إلى أي حزب سياسي. شغلت منصب المختارة بالوكالة لمدة ۱۵ عاماً، وترشّحت أربع مرات من قبل، لكن الحظ لم يحالفني، لأن النساء لم يكن يحظين بدعم حقيقي لا للترشّح ولا للفوز”.
تتابع: “تمّت محاربتي لأنني امرأة، ولأن البعض كان يخاف من وجودي. معظم الفائزين ينتمون إلى أحزاب سياسية”. وتختم حديثها قائلة: “المحاولات لإقصائي لا تزال مستمرة، يقال إنني لن أحقق شيئاً، وإن لا جدوى من ترشّحي، لكنني أؤمن أن النساء اليوم أكثر وعياً وصلابة، وأنا مستمرة في طريقي ولن أتراجع”.
في هذا الإطار، تؤكد خلود حموش، أستاذة الفلسفة والمرشحة المستقلة لرئاسة بلدية العديسة في الجنوب، أنها لا تخوض معركة في وجه أحد، بل تترشّح “من موقع الإيمان بالكفاءة والقدرة على التغيير”. وتقول لـ “العربي الجديد”: “لا أترشح ضد أحد بل مع الناس. أريد توظيف كفاءاتي في المكان الصحيح والنهوض ببلدتي”. تتابع: “لم أنتظر موافقة أحد. رغبتي بالترشّح نفذتها، وقد شجعني الكثير من الناس. أنا سعيدة لكوني مرشّحة”.

تأمل أن يساهم صوتها في اختيار الأفضل (حسين بيضون)
تأمل أن يساهم صوتها في اختيار الأفضل (حسين بيضون)

يعكس التوزيع المناطقي لنتائج انتخابات ۲۰۱۶ صورة واضحة عن المزاج الاجتماعي المحلي وتفاوت تقبّل المجتمعات لدور النساء في الحياة العامة. حلّت منطقة جبل لبنان في المرتبة الأولى لناحية عدد النساء الفائزات بـ ۲۴۶ مقعداً، تلتها الشمال وعكار بـ ۲۳۹، ثم الجنوب والنبطية بـ ۱۱۹، وأخيراً بيروت والبقاع بـ۵۷ فقط. هذا التفاوت لا يرتبط فقط بالأرقام، بل أيضاً بالبيئة الاجتماعية والثقافية التي لا تزال تقاوم اندماج المرأة في الشأن العام.
وتواجه النساء منظومة متكاملة من العوائق البنيوية والثقافية التي تكبح تقدمهن في المجالس المحلية. وتتمثل هذه العوائق في غياب الإرادة السياسية الجادة لإشراك النساء، والعنف الرمزي والمباشر ضدهن في الحيّز العام، إذ تُستهدف المرشحات بالقدح والذم، وتُعيّر المرأة بكونها امرأة، وتُحمّل مسؤوليات العمل الرعائي على حساب طموحاتها. يضاف إلى ذلك السخرية المستمرة من صورتها في الحياة العامة، وكأنها دخيلة على “ملعب الرجال” كما تقول لينا أبو حبيب، مديرة معهد أصفري للمجتمع المدني والمواطنة، في الجامعة الأميركية في بيروت. وتوضح أن ما نشهده اليوم هو نتيجة تراكميّة لمسار طويل امتد على مدى أكثر من عشرين عاماً من دعم النساء في الحيّز العام.

تضيف: “ما كنا نزرعه بالأمس من خطاب حول أهمية دور المرأة، نراه اليوم في تزايد أعداد المرشحات، وفي الخطاب السياسي المتطوّر، وفي إدانة العنف السياسي ضد النساء”. وتشير إلى تغيّر في الديناميّات السياسية، بما يسمح للنساء غير الحزبيات بالدخول إلى الحلبة الانتخابية والفوز، كما حصل في الانتخابات النيابية الأخيرة، وإن بنسبة محدودة. اليوم، التعويل الأساسي هو على النساء المستقلات القادرات على تقديم بدائل فعلية للواقع القائم.
تضيف أن التمثيل السياسي والانتخابي ليس ترفاً بل حق أساسي. وتؤكد الدراسات أن وجود النساء في مواقع القرار يُحدث فرقاً نوعياً في السياسات العامة، إذ يحملن أجندات مختلفة، أكثر ارتباطاً بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وبالأخص بما يمسّ النساء مباشرة من العنف والتحرش، إلى العمل غير المأجور، وقضايا النساء في أوضاع هشّة. هذه الملفات، غالباً، لا تجد من يتناولها بجدية ما لم تكن النساء ممثَّلات داخل المؤسسات العامة. لهذا، فإن وجودهن لم يعد مجرد مطلب، بل ضرورة سياسية واجتماعية، بحسب أبو حبيب.

العربي الجدید