اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
ورغم كل الجوانب المعروفة سلفا لمتاعب التربية، خاصة في الشهور الأولى من عمر الطفل، فإن ثمة متاعب خفية لم تتناولها العديد من الدراسات، على رأسها “الإلحاح” الذي تعاني منه الأمهات كل يوم، والذي يصل بالصبر وسعة الصدر إلى درجة الصفر، فتتحول الأم إلى شخص مختلف عما كانت عليه من قبل، فما الذي يحدث حقا؟
في بوسطن بالولايات المتحدة، حاولت ليا لنش أن تحسب عدد المرات التي يقول فيها طفلها “ماما” خلال يوم واحد. تقول “أحضرت مفكرة، ودونت كل مرة ناداني بها، واكتشفت في نهاية اليوم أنه قام بندائي ۱۰۵ مرات”، وهو ما جعلها تفهم السر وراء ردود أفعالها الجسدية، حيث كانت تطبق أسنانها وترتعش أحيانا من فرط التوتر، خاصة بعد أن صار لديها لاحقا ثلاثة أطفال، يناديها كل منهم عدة مرات حتى صار الأمر يقودها إلى الجنون.
وتبقى مرات النداء في كفة، ومرات الأسئلة في كفة أخرى، حيث لم يخطر لكثيرين أن يتساءلوا عن عدد المرات التي يطرح فيها الطفل سؤالا على أمه، لذا حاول مجموعة من الباحثين معرفة ذلك عبر استطلاع شمل ألف أمٍّ في بريطانيا، تتراوح أعمار أطفالهن بين عامين و۱۰ أعوام.
حصر الباحثون عدد الأسئلة التي يطرحها الأطفال على أمهاتهم، ليتضح أن الأمهات يتلقين سؤالا واحد كل دقيقتين و۳۶ ثانية، أي أكثر من ۱۰۵ آلاف سؤال سنويا، وحوالي ۳۰۰ سؤال في اليوم الواحد، ولعل المزعج في الأمر أن أكثر الأسئلة يتم طرحها أثناء تناول الوجبات.
وبحسب الاستطلاع، فإن الأمهات هنّ الأكثر تلقيا للأسئلة مقارنة بالآباء، حيث يذهب ۸۲% من الأطفال لأمهاتهم بدلا من آبائهم للاستفسار، وحتى هؤلاء الذين يسألون آبائهم عادة ما يتلقون إجابات من قبيل: اسأل والدتك.
وبحسب الاستطلاع السالف ذكره، فإن الفتيات في عمر الرابعة هن الأكثر طرحا للأسئلة، والأكثر فضولا، بينما الذكور في عمر التسع سنوات هم الأكثر اكتفاء بمعرفتهم، حيث يطرحون ۱۴۴ سؤالا فقط في اليوم.
في الواقع، أمهات الفتيات يعانين بشكل أكبر مع الأسئلة، حيث تشير دراسة أجريت عام ۲۰۱۱ إلى أن الفتيات يملن إلى التحدث وتطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية قبل الذكور، وأشار بحث آخر إلى الفجوات بين الجنسين عند الأطفال الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين ۷ أشهر و۶ سنوات، وهو ما يعني أسئلة أكثر في عمر أقل، بوتيرة أسرع.
عادة ما تتحول الأمنية الشائعة “أريد أن أكون أمّا جيدة للغاية” إلى شكوى مستمرة لاحقا “أنا منهكة للغاية”. هذا ما توصلت إليه دراسة ربطت بين المثالية الشديدة وبين الإنهاك الشديد، فالأمهات اللائي يرغبن في القيام بالأمور على أكمل وجه، من واجبات منزلية وأمومة وعناية بالذات، وحتى الإجابة عن أي سؤال واستفسار، تحول دورهن الفريد والاستثنائي إلى جنون وشعور دائم بالتقصير. هكذا تردد الأم دون انقطاع “لم أفعل ما يكفي!”، ويتحول الشعور بالإنهاك إلى شعور إضافي بالخوف والقلق والتوتر بشأن عدم الكفاية والكفاءة معا.
يزيد من المعاناة مع الأسئلة والنداءات المتكررة، صعوبة فترة السنوات الأولى من عمر الطفل بوجه عام. فمن لحظة الولادة وحتى عمر الست سنوات، تعاني الأمهات من أعراض جسدية وعقلية مختلفة، حيث الإرهاق هو السمة الأساسية التي تؤثر على الأداء اليومي، فضلا عن الحرمان من النوم ومحدودية الاستراحة.
نتحدث عن الإلحاح على أم في حالة من التعب، تعاني من ضعف الأداء والوظائف الإدراكية، مع العديد من التفاصيل الإضافية مثل سوء النوم والتوتر والاكتئاب، لهذا ربما عبرت بعض الأمهات عن الحالة التي انتابتهن جراء الشعور بالضغط والغضب الشديد، بقولهن “حين أشعر بالضغط الشديد، أغضب وأشعر أن هناك حريقا في بطني”.
ليست ثمة معايير للأم الصالحة، كما أنه لا يوجد معيار بعينه “للأم السيئة” التي هي في الغالب -بحسب ورقة بحثية فنلندية- مجرد “أم مرهقة”!
ومن الأسئلة المتكررة التي ترد إلى مركزالسيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في الولايات المتحدة الأميركية، أن “مشاكل الأطفال ليست بهذه الأهمية.. فهل أعلمهم ترك الأمور كما هي وأتجاهلهم أم أنتبه إلى كل ما يقولون؟”، لتأتي الإجابة العلمية من المؤسسة “من المغري أحيانا أن نتجاهل مشاكل أطفالنا، خاصة إن كان يومنا سيئا، أو مشغولين، أو إذا كانت المشاكل هي ذاتها التي سبق أن قمنا بحلها معهم. لكن في العموم، يحتاج الأطفال إلى معرفة أننا سوف نستمع لهم، حيث يجعلهم الاستماع الفعال يعلمون أننا نهتم بمشاعرهم ونتفهم احتياجاتهم، ونتقبل ما يشعرون به”.
ويضيف المركز أن رفض الاستماع إلى الأطفال وما يقولون باستمرار، يدفع الأمور للتطور بشكل غير محمود، وقد تصل إلى الوقوع في بعض الآفات، ولذلك فإن “الاستجابة المعتدلة في السنوات الأولى من العمر يمهد الطريق للمحادثات الأكثر أهمية التي سوف تحدث لاحقا في الحياة”
المصدر : الجزیرة