اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
وتعد هند واحدة من ۱۵۰ ألف امرأة حامل يواجهن ظروفا مأساوية في غزة في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع، هبة وسهاد وإيناس أيضا يروين قصصهن.
وعلى عكس ما كانت تحلم، تعيش هند أوقاتا صعبة منذ أن علمت بحملها بطفلها الأول قبل ۷ أشهر في ظل انعدام مقومات الحياة للإنسان الطبيعي.
وتقول الشابة البالغة من العمر (۲۶ عاما) التي بدت ملامحها شاحبة وعيناها غائرتان، وبدى بطنها منتفخا، “ما إن علمت أنني حامل، اختلطت مشاعري ما بين الفرح والخوف بسبب الظروف غير الإنسانية التي نعيشها، ولكنني قررت أن أصارع من أجل حماية نفسي وجنيني من الخطر”.
وتضيف “تبدأ معركتي اليومية الحقيقية في توفير الطعام، وغالبا ما يضطر زوجي للسير مسافات طويلة لتوفير الطعام الصحي لي، ولكن بسبب قلة المال وعدم توفر المواد اللازمة لا ينجح في ذلك دوما، فيعود دون طعام، مما يضطرني لتناول المعلبات والطعام المحفوظ، والذي له أضرار صحية بالغة علي”.
والوضع ذاته بالنسبة للمياه الصالحة للشرب، تحاول هند شرب المياه المعدنية التي تضطر غالبا لشرائها من الباعة المتجولين، أو الحصول على بعضها من المساعدات الإنسانية، إلا أنها أصيبت بوعكة صحية أثناء حملها وبعد فحصها تبين بأن تلك المياه “فاسدة” ومنتهية الصلاحية.
وما يزيد الأمر سوءا بالنسبة لهند هو عدم توفر المياه اللازمة للنظافة الشخصية، مما يجبرها على الانتظار لأيام وقد تكون أسابيع كي تتمكن من الحصول على بعض المياه للاستحمام.
وتقول “كل هذه الظروف تضعني تحت ضغط نفسي شديد وتوتر طوال الوقت وهو ما ينعكس سلبا على صحتي الشخصية وصحة الجنين”، مضيفة “في كثير من الأحيان أبكي بحرقة وأدعو الله ألا يموت جنيني”.
هند هي واحدة من بين ۱۵۰ ألف امرأة حامل يواجهن ظروفا مأساوية في قطاع غزة في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع، بحسب ما أعلنت عنه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) مؤخرا.
تقول النساء الحوامل بأنهن بالكاد يحصلن على الرعاية الطبية اللازمة في ظل توقف غالبية المراكز الطبية عن استقبالهن، بسبب خروجها عن الخدمة جراء استهدافها من الطيران الحربي الإسرائيلي.
وتشتكي النساء الحوامل بأنهن بالكاد يحصلن على الحد الأدنى من الطعام (غالبيته غير صحي) والماء، بالإضافة إلى وسائل النظافة الشخصية، موضحين بأنهم غالبا يعانين من الأمراض المعدية والإصابة بالبكتيريا والجراثيم في ظل عدم توفر بيئة صحية مناسبة لوضعهن الخاص.
وتقول هبة، وهي امرأة فلسطينية حامل، إنها ما إن تستيقظ في الصباح الباكر تلمس بطنها وتتحسس أوضاع جنينها إن كان يتحرك بداخلها أم لا، وتضيف “طوال الوقت أخاف أن أفقد طفلي في أي وقت”.
في الحقيقة، هبة أيضا تعاني كثيرا من نقص المياه اللازمة للاستحمام ونظافتها الشخصية، إذ إنها تضطر للانتظار ما بين ۷ إلى ۱۰ أيام للحصول على فرصة للاستحمام حين يتمكن زوجها من توفير الماء اللازم لذلك.
وتضيف هبة “النساء الحوامل يعشن أوضاعا مأساوية فلا ماء ولا طعام ولا حتى أمان يساعدنا على النجاة في هذه الحرب (…) للأسف الشديد، نحن نخشى الموت حتى وإن لم يتم استهدافنا فنحن قد نموت من قلة المقومات التي نحتاجها”.
وتستطرد الشابة الغزية، “حتى إن نجونا نحن، نخشى أن نفقد أطفالنا في بطوننا (…) طوال فترة الحمل، لم أتناول أيا من الطعام الصحي، فأنا آكل الطعام المعلب الذي يحتوي على مواد حافظة، وهذا سبب لي الكثير من الالتهابات والإعياء الشديد”.
لأكثر من مرة، احتاجت هبة مراجعة الطبيب، ولكنها بصعوبة بالغة تمكنت من الذهاب إلى إحدى العيادات الميدانية في منطقتها. وتقول “هناك طوابير كبيرة من النساء الحوامل واللواتي يضطررن للانتظار ساعات طويلة، وهذا يسبب إرهاقا كبيرا بالإضافة إلى احتمالية الإصابة بالأمراض المعدية والتي ستؤثر سلبا على صحة الجنين”.
وتضيف “للأسف، الخطر يحيط بنا جميعا دون استثناء ولا أحد يهتم بنا”.
أما سهاد، وهي فلسطينية حامل في شهرها الثامن، فتعاني من نقص الفيتامينات والحديد وسوء التغذية، بسبب عدم توفر الغذاء الصحي ولا حتى الدواء اللازم لها.
وتقول سهاد (۳۵ عاما) إنها أصيبت ببكتيريا في الدم نتيجة عدوى التقطتها من أحد الحمامات العامة.
ومنذ ذلك الحين، تعاني سهاد من نقص السوائل حول الجنين وكذلك من بعض النزيف الذي بالكاد يتمكن الأطباء من السيطرة عليه دون أن تخسر طفلها حتى هذه اللحظة.
وبصوت خافت تقول سهاد “أخشى أن أفقد حياتي أو أن أفقد جنيني بسبب عدم توفر الرعاية الطبية اللازمة وحتى الأدوية التي قد أحتاجها بعد الولادة”.
وبسبب تكدس المستشفيات بالمصابين والمرضى، لجأ بعض الأطباء إلى إنشاء عيادات متنقلة خاصة بتوليد النساء في المناطق الجنوبية من قطاع غزة، ولكن غالبا ما يتم توليدهن دون استعمال أي مخدر، مما يضاعف من آلام مخاضهن أثناء الولادة.
ويقول طبيب النساء والولادة محمد صبيح “نحن نعيش أوضاعا غير عادية، ولا يمكننا أن نفعل أي شيء إلا أن نحاول إنقاذ حياة النساء وأطفالهن.
ومع ذلك، يضيف الطبيب بشيء من الحسرة، “للأسف كنا نفقد عددا من الأجنة أثناء الولادة أو حتى الأمهات، بسبب ضعف أجسامهن وعدم قدرتهن على تحمل الآلام وكذلك افتقارهن للمناعة اللازمة لحمايتهن من الموت أو الإجهاض”.
بالنسبة لإيناس، لم تكن تجربة الإجهاض بالأمر السهل خاصة أنها كانت رأت جنينها يسقط من بطنها أثناء استخدامها لأحد الحمامات العامة الذي اعتادت أن تقف طابورا طويلا قبل أن تستعمله في أحد تجمعات خيام النازحين في دير البلح وسط قطاع غزة.
وتقول إيناس (۳۲ عاما) وهي أم لـ۳ أطفال، “حين دخلت الحمام شعرت بالصدمة بأن ما بلل جسمي هو نزيف من الدم وما إن خلعت البنطال حتى سقطت مني كتلة كبيرة (…) لقد كان طفلي ما سقط مني وهو مكتمل الملامح”.
وبصوت متقطع تواصل إيناس الحديث “صرخت وبكيت فأنا لم أر بحياتي مثل هذا المشهد.. لقد ظننت أنني أعيش فيلم رعب، ولم أستوعب أي شيء حولي لأنني فقدت الوعي وحين استيقظت كنت بالمستشفى”.
وما زاد الطين بلة بالنسبة لإيناس هو إصابتها بفيروس الكبد الوبائي منذ إجهاضها، وهو ما يجعلها تعاني من الآلام طوال الوقت، دون أن تعرف إن كانت ستنجو من هذا المرض، أو أنها ستفقد حياتها هي أيضا كما هو حال جنينها، خاصة في ظل انتشار الأمراض المعدية في قطاع غزة.
المصدر : الألمانية