اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
بدأت الحكومة المصرية تتحرك على الأرض سريعا لخلخلة بعض الموروثات الأسرية القديمة حول قضايا شديدة التعقيد، على رأسها ختان الإناث والزواج المبكر وكثرة الإنجاب وعدم تعليم الفتيات وعزوف السيدات عن استخدام وسائل تنظيم الأسرة، من خلال إدراج التثقيف والوعي الأسري ضمن مشروع “حياة كريمة” الذي يرعاه الرئيس عبدالفتاح السيسي ويرمي إلى تنمية الريف المصري.
وأعلن المجلس القومي للمرأة (جهة حكومية) عن استهداف عشرة ملايين أسرة خلال هذا المشروع، لتوعيتها بشكل فعّال ومبسط حول قضايا الإنجاب والزواج وتربية الأبناء، على أن يكون ذلك في قرى ونجوع الأقاليم المختلفة في عموم البلاد، من خلال قيادات إسلامية ومسيحية ومتخصصين في قضايا الأسرة والمجتمع واستشاريين في مجال الصحة النفسية.
واستبق المجلس تلك الخطوة، بتدريب الآلاف من الكوادر الدينية في الأقاليم المصرية على القضايا المطلوب التحاور حولها، وسيتم استهداف السيدات بشكل خاص، سواء كنّ أماهات أو فتيات أو زوجات أو جدات، عبر عقد تجمعات ريفية يضم كل منها خمسين سيدة، والتحاور معهن والاستماع إلى وجهات نظرهن ثم تفنيد أي معتقد خاطئ.
وتحظى الحملة بدعم لافت من المسؤولين الحكوميين في كل إقليم، بدءا من محافظ الإقليم مرورا بالأجهزة الرسمية المتداخلة مع كل قضية، بحيث يتم الوصول إلى أكبر قاعدة ممكنة من الأسر وإقناع الأزواج بجدية التصدي للموروثات الخاطئة في ظل لا مبالاة من قبل الكثير من العائلات بالتشريعات التي تعاقب على تلك التصرفات السلبية.
وبرر المجلس القومي للمرأة التوسع في الاستعانة بقادة وشيوخ المؤسسة الدينية مثل الأئمة والواعظات والقساوسة والراهبات، بالحاجة الملحة إلى نفي أي علاقة بين الدين والموروثات الأسرية الخاطئة، إضافة إلى أعضاء مجلس المرأة وأخصائيين اجتماعيين ونفسيين وأطباء، بحيث تتم محاصرة كل مبررات العادات السلبية والطعن فيها.
وعكست خطوة النزول إلى الواقع والاحتكاك المباشر مع الأسر في المناطق التي تسيطر عليها طقوس ومعتقدات قديمة، وجود قناعة حكومية بعدم فائدة العقوبات دون أن يوازيها خطاب توعي بسيط ومقنع بالتحدث للأهالي بلا وسيط، باعتبار أن الذين نشأوا على سلوك معين لن يُقلعوا عنه خوفا من القانون، مهما بلغت صرامة العقوبات.
وتصل معدلات الأمية في المناطق الريفية في مصر إلى مستويات قياسية، لذلك لا يصل صوت الحكومة إليهم، سواء الخطاب التوعوي أو الترهيبي، وهناك فئة كبيرة لا تعلم الحد الأدنى من المعرفة بسياسة الدولة حول أيّ من القضايا الأسرية الملحة، ما دفع بعض المؤسسات إلى إدراج التثقيف الأسري ضمن مشروع تنمية الريف بالتواصل المباشر مع الناس.
ويرى متخصصون في شؤون العلاقات الأسرية بالقاهرة أن مواجهة السلوكيات السلبية حول كثرة الإنجاب والزواج المبكر والختان والتربية، تبدأ من الاستماع إلى مبررات الأسرة حول كل عادة، والسبب الذي يجعلها تؤمن بها، وبعدها يتدخل المتخصصون لتفنيد المعتقد ودحضه بأسلوب علمي وديني ونفسي بسيط يتناسب مع مستوى تعليم تلك الفئة.
والميزة أن مشروع تنمية الريف المصري عبر برنامج “حياة كريمة” يحظى بدعم لافت من السلطة، وبالتالي تتعامل معه مختلف الجهات الرسمية بأولوية خاصة وتوفر له الحكومة موازنة مالية ضخمة بهدف تغيير شكل وطريقة وأسلوب الحياة داخل المناطق الريفية، فالهدف إيجاد سلوك حضري بالتوازي مع خطط التنمية.
وأقرّت وزارة التضامن الاجتماعي بأن الكثير من العائلات في المناطق الريفية التي كانت تؤمن بعادة ختان الإناث، لديها تقبل لفكرة الإقلاع عن تلك العادة، وهناك أسر اقتنعت بالفعل بعد أن تم التواصل معها بشكل مباشر، لكن تلك الشريحة تحتاج إلى من يرشدها إلى الصواب بطريقة بسيطة وعبر خطاب عقلاني يناقشها بالحجة.
وعكس إدخال التثقيف الأسري من أرض الميدان إلى مشروع قومي كتنمية الريف، اعترافا متأخرا من الحكومة بأن أي مواجهة للأفكار العائلية القديمة بشكل تقليدي، بلا احتكاك مباشر مع السكان لن يُجدي نفعا، وسوف تستمر المعتقدات المجتمعية والدينية ما لم تذهب المؤسسات المختصة بشؤون الأسرة إلى الأهالي حتى أبواب منازلهم.
كما أن مجلس المرأة بالتعاون مع حكام الأقاليم المختلفة قرر الاستعانة بأشخاص موثوق بهم عند سكان كل منطقة أو قرية أو نجع لحضور تلك الجلسات التوعوية مع المتخصصين في شؤون الأسرة وعلم النفس ورجال الدين، حتى تكون الرسالة التوعوية مدعومة من عناصر تحظى بثقة الأغلبية، مثل المعلمين ومدراء المدارس وكبار العائلات.
مشروع تنمية الريف المصري عبر برنامج “حياة كريمة” يحظى بدعم لافت من السلطة، وتتعامل معه الجهات الرسمية كأولوية خاصة
ويقول مؤيدون للفكرة إنه مهما كانت صرامة العقوبات ضد التصرفات الأسرية التي تتأسس على ثقافات قديمة، فهي بلا قيمة أمام غياب الخطاب التوعي الشعبوي المقدم إلى نفس الفئة، بعكس التثقيف القائم على الوصول إلى الشريحة نفسها بالتواصل المباشر معها عبر جلسات أقرب إلى الفضفضة بما يُسهل التخلص من تلك المعتقدات.
ويؤمن هؤلاء بأن المواجهة الفكرية في القضايا الأسرية المعقدة مثل الختان والزواج المبكر وكثرة الإنجاب دون ضوابط، أهم من أي تشريع يحد أو يُجرم هذا التصرف، لأن المبرر غالبا ما يتعلق بوجود توصية دينية أو عرف مجتمعي يكرس التمرد على أي خطاب رسمي، والعبرة في تفنيد فهم البسطاء لكل قضية بأسلوب مقنع واقعي يدفعهم إلى تغيير قناعاتهم.
أكد المتخصص في التنمية البشرية والعلاقات الاجتماعية عادل بركات أن أغلب الفئات البسيطة لم تعد لديها أفكار متحجرة حول أي قضية أسرية، لأن الأجيال الجديدة تغيرت وتؤثر في قناعات الآباء والأمهات، وهذا يسهل مهمة المواجهة الفكرية والثقافية، شريطة انتقاء عناصر تجيد الحوار مع سكان الريف لخلخلة العرف المجتمعي لديهم.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الطعن في العادات الأسرية البالية لا يجب أن يُختزل في الحلال والحرام، لأن هناك متشددين يقنعون الناس بالعكس، لذلك من المهم تفنيد أفكار العائلات بخطاب ديني ونفسي واجتماعي وطبي بحيث لا يتم ترك أي ثغرة يمكن أن تنفذ منها أفكار قديمة مع دحضها بعقلانية ومراعاة أن النسب الأكبر من سكان تلك المناطق أميون.
وهذه ليست مهمة سهلة، وفق عادل بركات، لأن من عاش لسنوات على تقديس الزواج المبكر أو ختان الأنثى أو الاقتناع بأن كثرة الإنجاب طلب إلهي من البشر، ليس من السهل عليه الإقلاع عن تلك العادة، إلا إذا اقتنع بخطاب يناسب فهمه، لكن النزول على الأرض يمثل بداية حقيقية لخلاص المجتمع من أي أفكار أسرية عقيمة يتم استسهال مواجهتها بالتشريعات.
وانتهت دراسة للجهاز المركزي للإحصاء في مصر (حكومي) إلى أن بعض الأسر التي أقلعت عن الختان أو الزواج المبكر، تربت على أن هذا التصرف إرث ثقافي وفكري وديني يجب الالتزام به، لكنها تخلت تدريجيا عنه بعد أن وجدت من يرشدها للصواب ويصحح مفاهيمها بعقلانية ويصل إليها بخطاب يفند كل الادعاءات القديمة.
المصدر: العرب