اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
طالبت جمعيات نسوية بالمغرب بإلغاء تجريم الإجهاض خلال مراجعة القانون الجنائي، وجعله حقا طبيا آمنا ومجانيا للنساء.
وقد كان هذا المطلب سببا في تجاذبات حادة سابقا بين تيارات سياسية محافظة وأخرى حداثية.
وهناك ثلاث حالات فقط، يُسمح بالإجهاض فيها. وهو ما قرّره الديوان الملكي في المغرب، بعد عام من تعيينه لجنة رسمية تحدد الحالات المسموح فيها بالإجهاض. وبعد جدال حقوقي ومدني، تنظر الحكومة قريبا في مشروع القانون الجديد.
يقول رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري شفيق الشرايبي إنّ “الحالات الثلاث المحددة غير كافية، لأنها لا تمثّل إلا ۱۰ في المئة من الحالات الواقعة في المجتمع، ذلك أن القانون لا يشمل القاصرات مثلا، ولا الحمل غير المنتظر الذي قد يسبب الاكتئاب إلى درجة انتحار الحامل، أو الفتاة المهددة بالقتل من طرف أهلها، أو المهددة بالطرد من البيت.”
ويضيف “الحالات الثلاث تتمم منظومة القانون الجنائي وتضاف إلى القانون الخاص بالإجهاض الصادر في عام ۱۹۶۸ الذي يعطي المرأة حقّ الإجهاض في حالتين، إذا كانت حياتها أو صحة الجنين في خطر. نريد أن يكون مفهوم الصحة واضحا كما حددته منظمة الصحة العالمية، ويشمل الصحة البدنية والعقلية والاجتماعية.”
وخلال لقاء جهوي ببني ملال حول موضوع “الإيقاف الطبي للحمل: المفارقة بين القانون الجنائي والحق في الصحة”، طالب المشاركون بتحمل المشرع الذي يصوغ القوانين والحكومة والبرلمان والمؤسسات التعليمية والإعلامية والمجتمع المدني المسؤولية، من خلال الأخذ بعين الاعتبار الظواهر الموجودة في المجتمع والتوعية بخطورتها، دون تجاهلها، وتوفير حماية للفتيات والمراهقات من الحمل.
الحقوقيون يطالبون بتعديل شامل للقانون الجنائي من حيث بنيته ولغته ومقتضياته من أجل حماية النساء، وبإشراك جميع الفاعلين المعنيين
وأكد المنظمون أن اللقاء هو جزء من اللقاءات الجهوية حول الإيقاف الإرادي للحمل والحق في الصحة، مشيرين إلى وجود مجموعة من التشريعات التي تُبيح الحق في الإجهاض، وتطبقها دول متعددة تتشارك معها المغرب في الموقع الجغرافي والهوية الثقافية والدينية، وتطرق المشاركون إلى مختلف المعطيات التي تستند إليها هذه الدول التي تبيح الإجهاض، سواء من خلال الاتفاقيات الدولية أو التشريعات الوطنية، أو الأسس الفقهية التي اعتمدت عليها من أجل إباحة هذا الحق، باعتباره حقا في التصرف في الجسد.
وأكدت فوزية ياسين، عن الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب ومنسقة تحالف ربيع الكرامة، في تصريح لـ”العرب”، أن هذا اللقاء يهدف إلى المطالبة بتعديل القانون الجنائي للسماح بعمليات الإجهاض والمرور من الاستثناء في الإجهاض إلى السماح الكلي، “لأننا نعرف عدد الأمهات العازبات والأطفال المتخلى عنهم وليس لهم الحق في النسب والأجنة التي نجدها داخل حاويات القمامة نتيجة الإجهاض السري العشوائي ومخاطره على صحة الأم والجنين، وهذا الواقع يجعلنا ندافع عن تقنين الإجهاض لأن الحمل غير المرغوب فيه يقع ليس فقط في إطار العلاقات خارج الزواج بل حتى داخل بعض الأسر.”
وشددت فوزية ياسين على مطالب الحركة النسائية بالحق في الإجهاض للنساء اللواتي يرغبن فيه بشكل قانوني ومشروع وآمن داخل المؤسسات الصحية الرسمية، وبالتأكيد على البعد الصحي للمسألة، كي ينتقل الإجهاض من القانون الجنائي إلى مدونة الصحة، والإبقاء عليه في القانون الجنائي فقط عندما يكون سريا أو تحت الإرغام القسري للفتاة أو المرأة، دون نسيان البعد التواصلي وهو جد مهم للتوعية بهذا الموضوع من خلال وسائل الإعلام.
وأكد تحالف ربيع الكرامة أن الحركة الحقوقية تنتظر ما ستسفر عنه عملية تجويد مشروع القانون الجنائي التي أعلن عنها وزير العدل بعد سحبه من البرلمان، مطالبة في الآن ذاته بتعديل شامل لهذا القانون من حيث بنيته ولغته ومقتضياته من أجل حماية النساء، وبإشراك جميع الفاعلين المعنيين، من خلال إعادة النظر في الشروط الصارمة التي جاءت في المشروع، مبرزة أن “بنيته تقليدية أبوية بعيدة عن حماية النساء من العنف والتمييز، كما أنه قانون يعود إلى سنة ۱۹۶۲ ولا ينسجم مع دستور ۲۰۱۱ والتزامات المغرب الدولية.”
الحالات الثلاث المحددة غير كافية، لأنها لا تمثّل إلا ۱۰في المئة فقط من الحالات الواقعة في المجتمع
وترى جمعية إنصات لمناهضة العنف ضد النساء، أن المشاركة في اللقاء ضرورة لتعديل القانون الجنائي ليضمن مصالح النساء والأطفال والمجتمع ولحماية النساء اللواتي يتوفين بسبب الإجهاض غير الآمن، ولإعطاء الحق في الحياة للأجنة التي تُترك في الشوارع والأزقة، فضلا عن ظاهرة الأمهات العازبات غير المهيئات على عدة مستويات لاستقبال المولود.
وفي وقت سابق، كان الناطق باسم الحكومة مصطفى بايتاس قد صرح بأن “الحكومة تنكب على دراسة هذا القانون”، مشيرا إلى أنه “سيتم تقديم إجابات عن هذه القضايا، وأن هذا الشأن ليس من اهتمامات الحكومة فحسب بل هو شأن مجتمعي أيضا، وستكون جميع الآراء حاضرة.”
بدوره، تقدم فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب بمقترح قانون يتعلق بـ”تنظيم الإيقاف الطبي للحمل” يروم تقنين الإجهاض وتحديد الحالات المسموح به فيها وشروط إجرائه، ومن الحالات التي يؤذن فيها بالإيقاف الطبي للحمل، بحسب مقترح القانون، عندما يهدد استمرار الحمل حياة المرأة الحامل المصابة بمرض خطير، أو إذا كان ناتجا عن اغتصاب أو زنا المحارم أو إذا كانت الفتاة قاصرا.
وأجاز مقترح القانون الإيقاف الطوعي للحمل بالنسبة للمرأة الحامل التي تعاني من خلل عقلي أو حالة نفسية مرضية خطيرة، غير متوافقة مع الحمل أو تتطلب معالجة مستمرة تتنافى مع العلاج كالتناول الإجباري للأقراص التي قد تكون لها أضرار على الجنين.
ويتم الإجهاض في الحالات السابقة بعد موافقة مستنيرة من المرأة الراشدة، ولجنة مكونة من طبيبين على الأقل، أحدهما متخصص في أمراض النساء والآخر أخصائي في الأمراض التي تهدد حياة الحامل، وبالنسبة للقاصر الحامل فيتعين الحصول على موافقة مستنيرة من أحد الوالدين أو الوصي الشرعي.
وتحض الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري على تقنين الإجهاض لأن كل فتاة تريد التخلص من حملها غير المرغوب ستلجأ إلى أي وسيلة لذلك، وبالتأكيد ستلجأ إلى عملية إجهاض غير آمن ستشكل خطرا على صحتها في حالة عدم تقنينه، وأن التقنين سيجعل العملية تمر في ظروف صحية وآمنة مكفولة، تفاديا لمضاعفات خطيرة تفضي إلى الوفاة.
وحسب إحصاءات صادرة عن الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، فقد تم إجراء ما بين ۶۰۰ و۸۰۰ عملية إجهاض يوميا (أكثر من ۲۰۰ ألف عملية سنويا)، تتم ۵۰۰ إلى ۶۰۰ منها من قبل أطباء أمراض النساء والممارسين العامّين والجراحين، في حين أن ۱۵۰ إلى ۲۰۰ عملية إجهاض أخرى تجرى يوميا في ظروف غير صحية من قبل الممرضات والقابلات.
واشترط القانون أن يتم الإيقاف الطبي للحمل قبل مرور تسعين يوما من الحمل، وأن يجري في منشأة أو مؤسسة صحية عمومية أو خاصة، من طرف طبيب مؤهل بعد موافقة لجنة متعددة التخصصات تتألف من ثلاثة أطباء على الأقل من بينهم طبيب متخصص في أمراض النساء والتوليد واثنان من المتخصصين في الأمراض التي تعاني منها المرأة الحامل.
ويجرم القانون المغربي الإجهاض “ويعد تجريم فعل الإجهاض حماية جنائية لروح الإنسان قبل ميلاده”. وقد تعرض المشرع الجنائي لهذه الجريمة و أفرد لها نصوصا خاصة “المواد من ۴۴۹ إلى ۴۵۸”.
وتنص المادة ۴۴۹ على أنه “من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يضن أنها كذلك، برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحاليل أو عنف أو أي وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مئتين إلى خمسمئة درهم. وإذا نتج عن ذلك موتها فعقوبته السجن من عشر إلى عشرين سنة”.
وتنص المادة ۴۵۳ على أنه “لا عقاب على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة المحافظة على الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج”.
المصدر: العرب