مطبخ الخير.. مبادرة نسائية لإطعام الصائمين بمخيمات النزوح بإدلب

لم تمنع أروقة الخيام القماشية والقصص المؤلمة التي تعيش بداخلها الناشطة نجلاء معمار، ومجموعة من النساء الأرامل، جمعهن النزوح، من إطلاق مشروع "مطبخ الخير" لطبخ الأكلات السورية التراثية المشهورة، وتوزيعها على العائلات الفقيرة والمحتاجة من زوجات الشهداء والأرامل في مخيمات "دير حسان" شمال إدلب خلال شهر رمضان المبارك.

يتميز “مطبخ الخير” عن غيره من الجمعيات والمنظمات الخيرية باعتماد النسوة القائمات عليه بطهي طعام منزلي بأدوات بسيطة، بعد أن اجتمعن معا؛ بهدف تقديم وجبة إفطار منزلية يقمن بإعدادها ضمن المخيم بدرجات عالية من النظافة والمهارة في الطبخ؛ بسبب عدم قدرة العوائل على إعداد مثل هذه الوجبات لتكلفتها العالية في ظل الفقر.

البداية من الخيمة

تقول نجلاء معمار “نعتمد من خلال مبادرتنا في مطبخ الخير على اختيار وجبات محددة مثل الكبة والمحاشي والسمبوسك والشيشبرك والكبسة والمقلوبة، وغيرها من الأكلات التراثية السورية المشهورة التي لم تعد تستطيع الكثير من العوائل طبخها في ظل الفقر والحاجة الكبيرة وخاصة لأُسر الشهداء والأرامل؛ لأن من الاستحالة مقدرتهم على طبخ مثل هذه الأكلات بسبب تكلفتها العالية”.

ا

ونوهت معمار إلى أن فكرة المبادرة أتت من خلال معاينتها الشخصية لكثير من العوائل التي تعيش معها في نفس المخيم ولا تستطيع طبخ الوجبات التي تدخل بها اللحوم وخاصة أن الاحتياجات أصبحت كبيرة جدا وهم لا يستطيعون حتى تأمين طبختهم البسيطة من الخضار على سبيل المثال.

المطبخ الرمضاني - أ.نجلاء معمار
تكلفة الوجبات المقدمة لا تستطيع الأسر الفقيرة توفيرها (الجزيرة)

ما مبادرة الخير؟

تعتمد المبادرة على مجموعة من النساء الأرامل المهجرات، قررن إطلاق مبادرتهن لبث الفرح والسعادة في قلوب الأطفال الأيتام الذين فقدوا الأب والمعيل خلال الحرب، وانتهى بهم المطاف إلى خيمة النزوح، وليست لدى أمهاتهم القدرة على طبخ وجبات ذات تكلفة عالية، يمكن أن يصل ثمنها إلى ألف ليرة تركية، وهو مبلغ من الممكن أن يكفيهم لمدة أسبوع أو اثنين لطبخ وجبات لا تدخلها اللحوم.

مريم حاج قدور التي تشرف على طهي الطعام تقول “إن نقطة الاختلاف بيننا هنا في المطبخ وبين المنظمات والجمعيات أن وجباتهم تعتمد بشكل شبه يومي على الأرز والدجاج، أما لدينا هنا فالأمر مختلف لأننا نعتمد على التنوع في نوع الطعام ونضيف عليه لمسات الطبخ السوري الشهي لأننا نقوم بطبخه بطريقة الطبخ المنزلي التي يحبها الجميع ويفضلها على طعام المطاعم وخاصة في شهر رمضان”.

وتضيف أن الفريق يقدم ۷۵ وجبة يوميا، بعد أن حصل على دعم من “فريق إحسان في ألمانيا” “وكما نتمنى أن تكون لدينا قدرة على طبخ كميات أكثر من هذا العدد لنغطي كل المخيم، ولكن بسبب قلة الدعم اخترنا الأشد حاجة وفقرا، ووقع اختيارنا على الأرامل والعوائل التي ليس لها معيل”.

المطبخ الرمضاني - أ.نجلاء معمار
المتطوعات يقمن بإعداد الوجبات بدرجة عالية من النظافة والمهارة (الجزيرة)

مكونات الوجبة

تقدم هؤلاء النسوة بشكل يومي هذه الوجبات التي تكفي العائلة المؤلفة من ۵ أشخاص بالإضافة إلى كمية من التمر وربطة خبز وعلبة من اللبن حيث يصل متوسط تكلفة الوجبة لما يقارب “۳۰۰” ليرة تركية (الدولار يساوي ۳٫۶۴ ليرات تركية) والتي تعجز الكثير من العوائل على إعدادها بشكل يومي بسبب تكلفتها.

بدورها، تمنت “أم أحمد” التي تعيش مع ۱۰ من أطفالها في خيمة وهي مستفيدة من الوجبات ألا يتوقف توزيع هذه الوجبات لأنها لن تستطيع أن تطبخ لأطفالها مثلها لأن تكلفتها ربما تصل إلى ألف ليرة وهي لا تملك هذا المبلغ.

وأضافت “أم نبيل” وهي مستفيدة أيضا أن الوجبة تكفيني مع أطفالي الأربعة ولا أحتاج للطبخ بعد الحصول عليها ولكن إذا أردت الطبخ فلن أطبخ مثلها في خيمتي لأنني بقيمتها أستطيع أن أعيش لمدة أسبوع مع أطفال على طبخ البرغل أو المقالي.

صور من جمعية عطاء-
منظمات إنسانية عدة تقدم وجبات الإفطار الرمضانية بشكل يومي (الجزيرة)

مبادرات أخرى

لم تكن مبادرة “مطبخ الخير” هي الوحيدة التي تسعى لتقديم وجبات إفطار صائم لقاطني مخيمات النزوح في شمال غرب سوريا؛ بل هناك العديد من المنظمات والفرق والجمعيات الخيرية تحاول جاهدة تقديم وجبات الإفطار بشكل يومي، ولكن كانت هذه الفرق والمنظمات قليلة بسبب قلة الدعم وتخفيض المساعدات الأممية مع بداية عام ۲۰۲۴٫

ومن جانبها، افتتحت “جمعية عطاء” عددا من المطابخ موزعة في عدد من المناطق، قدمت من خلالها ما يقارب ۵۰۰ وجبة يوميا على النازحين والمهجرين في الخيام، كذلك قدمت منظمة “الرحمة الإغاثية” الوجبات الرمضانية في المخيمات، وفريق “الاستجابة الطارئة” الذي اعتمد على افتتاح مطبخ متنقل في المخيمات؛ لتقديم الوجبات من خلال مشاركة أعضائه مع أهالي المخيمات في الطهي والتوزيع.

المصدر : الجزيرة