ندوة: جرائم قتل النساء… غياب القانون وتواطؤ المجتمع يزيدان الأزمة

نظّمت جمعية أصوات نساء التونسية بالشراكة مع مجموعة تقاطعات من الأردن ووحدة رصد جرائم قتل النساء من المغرب، ندوة إقليمية بالغة الأهمية تناولت قضيّة جرائم قتل النساء، بمشاركة ناشطات نسويات، صحفيات، باحثات وممثلات عن منظمات مجتمع مدني من مختلف الدول العربية. جاءت هذه المبادرة في سياق الجهود المستمرة لمواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وإبراز خطورته المتزايدة في غياب تشريعات فعالة وآليات وقائية ومحاسبة حقيقية.

بدأت الندوة بعرض التقرير السنوي لجمعية “أصوات نساء” لسنة ۲۰۲۴ حول رصد جرائم قتل النساء في تونس، حيث قدّمت الجمعية بيانات دقيقة حول عدد الضحايا، والجهات المرتكبة، والأساليب المستخدمة في ارتكاب الجرائم، فضلًا عن الخلفيات الاجتماعية والقانونية التي تكرّس هذا العنف. التقرير أشار إلى تصاعد مقلق في عدد الجرائم المرتكبة بحق النساء، وتنامي الإفلات من العقاب، ما يعكس عجز المنظومة القضائية والتشريعية عن التعامل مع هذه الجرائم كقضايا ذات طابع نوعي يتطلب معالجة خاصة.

في الجلسة الأولى التي جاءت تحت عنوان “جرائم قتل النساء في تونس، المغرب، والأردن: بين التوثيق، التحليل القانوني، والاستجابات المجتمعية”، ناقشت المشاركات واقع الجريمة في الدول الثلاث، وأشارت المتحدثات إلى غياب تعريف قانوني موحّد لجريمة قتل النساء، إذ تُعامل غالبًا ضمن إطار “القتل العائلي” أو “القتل بدافع الشرف” ما يُفرغها من بعدها الجندري، ويُعيق ملاحقة الجناة بشكل رادع. كما تم التطرق إلى التفاوت الكبير في مدى تجاوب المؤسسات الرسمية مع جهود المجتمع المدني، وتقصير الدولة في حماية الضحايا المهددات.

الجلسة الثانية جاءت بعنوان “توثيق جرائم قتل النساء: التعامل مع المعطيات والبيانات والتناول الإعلامي”، وتناولت التحديات التي تواجه الصحفيات والناشطات في توثيق هذه الجرائم، بدءًا من غياب البيانات الرسمية، مرورًا بالتكتم الأسري والمجتمعي، وصولًا إلى المعالجة الإعلامية السطحية والمشوّهة التي غالبًا ما تُعيد إنتاج صور نمطية أو تبريرية. تم التأكيد على أن التناول الإعلامي ما زال يفتقر للحس الحقوقي، وغالبًا ما يُركّز على تفاصيل الجريمة كقصة مثيرة دون اعتبار لحق الضحية أو مساءلة النظام الذي سمح بوقوع الجريمة.

أما الجلسة الثالثة، فكانت مخصصة لموضوع “الأثر النفسي لجرائم ومحاولات قتل النساء: معاناة الضحايا والعائلات”، حيث ناقشت المشاركات التداعيات النفسية العميقة لهذه الجرائم، لا على الضحايا فحسب، بل على أسرهن وأطفالهن ومحيطهن الاجتماعي. وقد تم تسليط الضوء على غياب الدعم النفسي الممنهج في المجتمعات العربية، وعدم الاعتراف بالضرر النفسي كجزء من العدالة، إضافة إلى غياب مراكز الإيواء والمرافقة المتخصصة.

وفي مداخلة هامة خلال الندوة، تحدثت الصحفية والناشطة الجمعياتية حنان زبيس لإذاعة نساء إف إم، مؤكدة أن الندوة لا تزال قائمة لحظة اللقاء، وأنها تعكس جهدًا جماعيًا عابرًا للحدود لمواجهة جريمة تُرتكب بصمت. قالت زبيس:

“في الحقيقة، نحن لا نزال في قلب الندوة، وهي متواصلة حتى الآن. هذه المبادرة، كما قلت، من جمعية أصوات نساء التونسية بالتعاون مع جمعية تقاطعات من الأردن والمبادرة النسائية لرصد جرائم قتل النساء في المغرب، مثّلت مساحة هامة لتبادل التجارب. ما لمسناه من خلال النقاش هو أنه رغم الفروقات الجغرافية والثقافية بين البلدان المشاركة، إلا أن هناك تقاطعات عميقة في واقع الجريمة، وفي ضعف التعاطي الرسمي معها، وفي مدى سيطرة التقاليد والاعتبارات الدينية على التوصيف القانوني والمجتمعي لها.”

وتابعت: “لا يوجد تعريف قانوني موحّد أو دقيق لجريمة قتل النساء، وغالبًا ما يتم تصنيفها ضمن جرائم العنف أو القتل العائلي، وهذا يقلّل من خطورتها ويمنع تكييفها كجريمة مبنية على النوع الاجتماعي. الجماعات النسوية دائمًا تطالب باعتبارها جريمة قائمة بذاتها، حتى يمكن وضع إطار قانوني ملائم لها. اليوم، لا يزال القانون بعيدًا عن طموحات النساء، سواء من حيث توصيف الجريمة أو العقوبات أو حماية النساء المهددات.”

وأشارت زبيس إلى أن الحل لا يمكن أن يأتي فقط من المؤسسات الرسمية، بل يجب أن ينطلق من المجتمع المدني الذي أثبت دائمًا أنه القاطرة التي تدفع بالنقاش إلى العلن، وتضغط من أجل تغيير السياسات والتشريعات. كما شددت على أن الإعلام يجب أن يكون طرفًا فاعلًا في تغيير النظرة إلى هذه الجرائم من خلال تبنّي سرديات تحترم كرامة الضحايا، وتكشف هشاشة المنظومة التي سمحت بحدوث الجريمة.

في ختام المداخلة، أكدت زبيس أن الطريق لا يزال طويلًا، لكن هذا النوع من اللقاءات يمثل خطوة متقدمة في اتجاه التغيير. فالاعتراف بالمشكلة ووضعها على الطاولة هو البداية الضرورية لوضع سياسات عمومية تُنقذ حياة النساء، وتُحاسب الجناة، وتُغيّر الثقافة المجتمعية نحو الاعتراف الكامل بحق النساء في الحياة والكرامة والأمان.

نساء‌FM