نساء السودان… انتهاكات جسيمة وانهيار دوائر الأمان

تعيش نساء السودان أسوأ أيام حياتهن منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في إبريل/ نيسان 2023، وواجهت كثيرات منهن خلال شهور الحرب أوضاعاً إنسانية غاية في الصعوبة شملت التعرض لأشكال مختلفة من العنف والعنف الجنسي، وامتدت إلى فقدان الأزواج وتحمل مسؤولية رعاية الأبناء، ومشاق النزوح، والزواج القسري، وعدم توفر العلاج أو الدواء.

كانت السودانية أم القصواء، وهي أم لأربعة أطفال، تعيش في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، وفي يوليو/تموز ۲۰۲۳، تفجر القتال في المدينة، وبدأت مجازر القتل على الهوية التي صنفت “جريمة حرب”، لتفقد العشرات من أقاربها. تقول لـ”العربي الجديد”: “شاهدت اغتصاب نساء وفتيات، فقررت الهرب مع أطفالي إلى تشاد المجاورة، وفي الطريق تم الإمساك بنا، ووضع السلاح على رأسي، حينها أيقنت أنني ميتة لا محالة، لكني نجوت بأعجوبة، ومن تشاد قطعت رحلة طويلة إلى مدينة بورتسودان (شرق)، لأستقر في واحدة من مدارس المدينة التي تحولت إلى مركز إيواء”. 

تتابع: “الحياة داخل المدرسة قاسية، ولست قادرة على إطعام أطفالي، ولا سيما أنني تركت زوجي في مدينة الجنينة. حاولت مواصلة مهنتي معلمةً في المرحلة المتوسطة، لكني لم أجد وظيفة، وعملت في بعض الأحيان في تنظيف المنازل لتوفير الحد الأدنى من المال من أجل الطعام، ما أكسبه لا يوفر لنا العلاج، فكلفة العلاج والدواء مرتفعة. هناك مشكلات أخرى من بينها عدم تقبل المجتمعات للنازحين، والغلاء الفاحش للسلع، وعدم وجود مساعدات إنسانية، لا من الحكومة ولا المنظمات. المساعدات تصلنا فقط من فاعلي الخير، وقد ظللت مع أطفالي نفترش الأرض لفترة طويلة حتى تبرع فاعل خير لنا بأسرّة، كما طرقت أبواب العديد من المنظمات، ولم يعطوني شيئاً، كما أنني وغيري من النساء بحاجة إلى دعم نفسي، لكنه غير متوفر في مخيمات النزوح، وأملنا هو توقف الحرب، والعودة إلى الديار لتنشئة الأطفال في حياة طبيعية”. 

نزحت العشرينية رميساء من حي الدناقلة بالعاصمة الخرطوم إلى الولاية الشمالية، وتقول لـ”العربي الجديد”، إن كثيراً من الفتيات في السودان دفعن ثمناً غالياً أثناء الحرب، فقد ضاع مستقبل بعضهن التعليمي أو الوظيفي، وإنها شخصياً فقدت وظيفتها، وتعاني فقدان الخصوصية منذ نزحت إلى ريف الولاية الشمالية، لأن الغرفة التي تسكن بها تضم عدداً كبيراً من الفتيات، كما اضطرت إلى بيع الحلوى في الشوارع لشراء بعض الاحتياجات اليومية، فيما أصبح شراء أدوات الزينة ضرباً من الترف. تضيف: “الكارثة الأفظع كانت تعرض عشرات الفتيات للعنف الجنسي بصوره المختلفة، وقد تعرضت شخصياً  للتحرش اللفظي خلال خروجي من الخرطوم في ارتكازات قوات الدعم السريع”. 

أما نجود، وهي أم لستة أطفال، فقد اختفى زوجها ولا تعرف مصيره، وزاد من معاناتها المرض الذي أصابها في الأشهر الأخيرة، وعدم تمكنها بسبب الظروف المادية من زيارة طبيب. وتوضح لـ”العربي الجديد”: “أخشى مما قد يحل بأطفالي حال حدث لي مكروه. دور المنظمات الخيرية في دعم النازحات ضعيف، ومخيمات النزوح لا تتوفر فيها أبسط المستلزمات، حتى الفوط الصحية”.

نازحات سودانيات في القضارف. 6 يونيو 2024 (فرانس برس)
نازحات سودانيات في القضارف، ۶ يونيو ۲۰۲۴ (فرانس برس)

ووثقت منظمات حقوقية العديد من جرائم العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، من بينها العديد من جرائم الاغتصاب الجماعي، وجرائم الاختطاف، والغالبية اتهم بارتكابها عناصر مليشيا الدعم السريع، بينما ارتكب أفراد ينتمون إلى الحركات المسلحة جرائم عنف جنسي في إقليم دارفور.

وبسبب طول فترة النزوح، فقدت كثير من الأسر الاستقرار، وانهارت دوائر الأمان للفتيات، ما أثر سلباً على صحتهنّ النفسية والجسدية، وتعرض بعضهن لصدمات نفسية شديدة. تقول منسقة برنامج السودان في المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي “صيحة”، نعمات أبوبكر، لـ”العربي الجديد”: “تعيش نساء السودان أوضاعاً مأساوية نتيجة الحرب وتبعاتها، ويشمل ذلك النزوح والتشرد، وفظائع وانتهاكات جسيمة، وتواترت تقارير عن حالات عنف جنسي تفاقمت مع تواصل المعارك”.

تضيف أبوبكر: “مع ازدياد رقعة الحرب، وفي كل هجوم جديد، تظهر أعداد جديدة من ضحايا الاغتصاب، ومن حالات الاختفاء القسري لعدد كبير من الفتيات والنساء، كما تواجه النساء في مناطق سيطرة الدعم السريع وقائع استغلال وانتهاك وصلت إلى حد الاستعباد الجنسي، ما يؤثر على الأوضاع الصحية لهن، وبعد تحرير أعداد منهن، ظللن يعانين أوضاعاً نفسية وصحية غاية في السوء، ومع تدهور النظام الصحي يصبح حصول ضحايا العنف على العون الطبي والنفسي الضروري صعباً، إذ تتوفر الخدمات الصحية في مناطق محدودة”.

نازحات سودانيات في بورتسودان. 8 أكتوبر 2024 (فرانس برس)
نازحات سودانيات في بورتسودان، ۸ أكتوبر ۲۰۲۴ (فرانس برس)

تتابع: “خلال السنة الأخيرة، زادت الانتهاكات بشكل كبير، وارتبطت بشكل أساسي بهجوم قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة. ينبغي الضغط على أطراف الصراع بشكل متواصل لتأكيد حماية النساء، فحماية النساء خلال الحرب قضية جوهرية”.

بدورها، تؤكد رابحة إسماعيل من مبادرة “لا لقهر النساء”، أن “العنف ضد النساء في السودان مبالغ فيه، ويتجاوز الاغتصاب والعنف الجنسي إلى فقد الأرواح الذي يتزايد باستمرار. العنف ضد المرأة يقع من كل الأطراف، فبمجرد سيطرة الدعم السريع على أي منطقة تحصل مضايقات للنساء، وإذا تحررت المنطقة بواسطة الجيش يحصل اعتداءات أيضاً على النساء بحجة أنهن متعاونات مع الدعم السريع، كما يتم تفتيش مهين في الارتكازات، ويتعرضن للتمييز، إضافة إلى العنف الاقتصادي، والمطاردة بموجب قانون الطوارئ”.

تضيف إسماعيل لـ”العربي الجديد”: “تعرضت كثير من النساء منذ بداية الحرب في السودان للعنف الاجتماعي، فبعض الأسر أصبحت تخاف على الفتيات من الاعتداءات، ما دفعهم لتزويجهن مبكراً، وأحياناً من دون رغبتهن، اعتقاداً أن ذلك يمثل حماية لهن، وهناك عنف اجتماعي من نوع آخر يتمثل في عدم تعليم الفتيات، كما يطاول خطاب الكراهية المنتشر في البلاد النساء. نحاول دعم النساء لمواجهة كل تلك التحديات، وهناك حراك حاصل في المجتمع المدني، وحملات مناصرة مستمرة”.

من جانبها، تركز الناشطة في مجال دعم النازحين سميرة يوسف على افتقار النازحات للرعاية الصحية، وعدم القدرة على شراء الأدوية، وصعوبة الوصول إلى المستشفيات، إما لبعد المسافة، وإما لانعدام القدرة المالية. وتوضح لـ”العربي الجديد”، أنها كانت شاهدة على فشل وصول سيدة حامل جاءها المخاض إلى المستشفى، وأنها كادت تتعرض للموت مع جنينها لولا وجود قابلة في مركز إيواء قريب. تضيف: “مراكز الإيواء مزدحمة للغاية، وبالتالي لا تتيح للمرأة أي قدر من الخصوصية، ويتسبب الزحام في تفشي الأمراض، خصوصاً خلال فصل الشتاء، كما أن كثيرات لم يجدن أماكن إيواء مناسبة”.

على مستوى الصحة النفسية، تقول الباحثة الاجتماعية، ثريا إبراهيم لـ”العربي الجديد”، إن “ما حدث للنساء خلال الحرب رفع مستوى الضغوط النفسية لديهن، خاصة بين المطلقات والأرامل، كما يخشى على الحوامل والمرضعات من اكتئاب ما بعد الولادة، فبعضهن يلدن في ظروف بالغة التعقيد، مثل نازحات شرق الجزيرة اللائي ولدت بعضهن في الطريق أثناء رحلة النزوح. الآثار النفسية للحرب على النساء إذا لم يتم علاجها سريعاً فإنها قد تتفاقم وتتطور، ولا سيما اللائي تعرضن للاغتصاب أو التحرش أو الاستعباد الجنسي، وقد دفعت تلك الضغوط النفسية عدداً من النساء إلى محاولة الانتحار”.

وتدعو إبراهيم إلى وجود متخصصين نفسيين لتقديم الدعم النفسي للنازحات وأطفالهن، مشيدة بمبادرات في ولاية نهر النيل، وبمبادرة أطباء مغتربين قرروا تقديم الخدمات العلاجية عبر الإنترنت. ولمواجهة كل تلك التحديات، تطالب المنظمات النسوية بتكوين شبكة لحماية النساء في الأحياء السكنية ومراكز النزوح واللجوء، مع تقديم الدعم القانوني، وتوفير احتياجات ذوات الإعاقة.

كما تطالب بإشراك النساء في العملية السياسية، بما في ذلك مفاوضات وقف إطلاق النار، وتعزيز أدوار النساء الاجتماعية والاقتصادية، وبناء قدراتهن، وتمكين النساء اقتصادياً من خلال التدريب ودعم المشاريع الصغيرة، فضلاً عن دعم غرف الطوارئ النسائية، وتوفير خدمات الصحة الإنجابية، ومناهضة عسكرة النساء، أو استغلالهن في النزاعات، وكذلك إشراك النازحات واللاجئات في لجان إدارة مراكز الإيواء.

المصدر: العربي الجدید