اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، تعمل الحكيمة سناء أبو لبدة وسط ازدحامٍ يومي من الحالات الطارئة، ورغم أنها حامل، لم تتوقف يومًا عن تأدية واجبها الإنساني. تقول سناء: “النساء في غزة، خصوصًا الحوامل والمرضعات، يعانين من سوء تغذية حاد، ما يؤثر على جودة حليب الأم ويُفقده قيمته الغذائية. الأطفال يعانون من الجوع ونقص المناعة، والأمهات يصبحن هزيلات ومرهقات بسبب نقص الأغذية والفيتامينات، سواء بسبب ارتفاع أسعارها أو لانعدام توفرها.”
وتتابع سناء بصوتٍ تخنقه المرارة: “أنا كأم حامل، أحاول أعوّض جسمي بالأكل البسيط، لكن الكالسيوم ناقص، والشد العضلي والإرهاق زادوا ساعات عملي طويلة، والضغوط النفسية أكبر. أرجع على البيت بعد مناوبة تدوم ۲۴ ساعة، ولا أجد ماءً ولا كهرباء ولا طعامًا، لكنني أحاول أن أتحمّل. لا خيار أمامي سوى أن أكون قوية، لأجل نفسي وعائلتي.”
في مشاهد كهذه، تبدو الأمومة في غزة فعلًا مقاوِمًا، ليس فقط في الحمل والولادة، بل في تأمين حياة متواضعة وسط انهيار منظومة العيش الأساسية.
تصريحات حديثة للدكتور أحمد الفرا، مدير مبنى الأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي، ترسم إطارًا أكثر سوداوية للحالة. الفرا وصف الوضع بأنه “واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخ غزة”، مؤكّدًا أن القطاع دخل المرحلة الخامسة من المجاعة، وهي الأكثر خطرًا وفق التصنيفات الدولية. وقال: “نحو ۶۰۰ ألف طفل مهددون بالموت جوعًا، إضافة إلى ۲٫۳ مليون إنسان يواجهون المصير ذاته.”
وأضاف أن الحليب الخاص بالأطفال غير متوفر إطلاقًا، موضحًا أن “الكثير من الأطفال يولدون بوزن منخفض جدًا – حوالي ۱٫۵ كيلوغرام مما ينذر بمضاعفات خطيرة في التنفس والنمو، وقد يؤدي إلى وفاة العديد منهم”. وحذّر من نوع آخر من الاستهداف، حيث قال: “الاستهداف غير المباشر، بالمجاعة والحرمان من الماء والغذاء والرعاية، أكثر فتكًا من القصف المباشر، لأنه يؤدي إلى موت بطيء ومؤلم.”
وسط هذا الواقع، تختنق البطولات في الصمت. النساء في غزة لا يظهرن على منصات الإعلام بوصفهن أبطالًا خارقين، ولكنهن في الحقيقة يمارسن البطولة يوميًا: يقاومن الجوع، يحافظن على الحياة، ويسهرن على جرحى لا يعرفونهن، بينما يؤجّلن وجعهن الخاص بصمت.
هؤلاء النساء لا يحتجن إلى كلمات التعاطف بقدر ما يحتجن إلى الاعتراف: بأن الصمود النسوي لا يعني فقط البقاء على قيد الحياة، بل إبقاء الآخرين كذلك. من هنا، تنبع ضرورة أن تُنقل أصوات هؤلاء النساء كما هي، دون تجميل أو اختصار، ليعلم العالم أن تحت الركام، قلبًا ينبض ومسؤولية إنسانية تُمارس في أقسى الظروف.
نساء FM