هايني سرور: “المرأة هي التي تدفع أكبر ثمن في الحروب..”

في حلقة جديدة من برنامج "ضيف ومسيرة"، استضفنا المخرجة اللبنانية هايني سرور، في حوار امتد ليغوص في تفاصيل حياتها ومسيرتها السينمائية، كاشفة عن التقاء بين الالتزام السياسي والنسوي والفني. من خلال هذا اللقاء، نكتشف كيف صنعت سرور لنفسها مكانة كصوت نسائي نقدي، لم يكتف فقط برصد واقع المرأة في العالم العربي، بل سعى لتفكيكه، وإعادة تشكيله بعدسة السينما.

وُلدت هايني سرور في بيروت سنة ۱۹۴۵، ونشأت في بيئة متعددة الثقافات، ما ترك أثراً على تكوينها. تحدثت عن أسرتها التي كانت تقدّر الفن والموسيقى، رغم القيود الاجتماعية المفروضة على الفتاة في تلك المرحلة. والدها ووالدتها، رغم الصعوبات المادية، وفرا لها بيئة ثقافية غنية. 

أما جدّتها، فكانت الملهمة الأولى لسرور، تنسج لها قصصًا من “ألف ليلة وليلة”، قصص بطلات لا ينتصرن فقط بجمالهن، بل بذكائهن وقدرتهن على مواجهة العنف الذكوري. تقول سرور إن جدتها كانت تستحق جائزة أفضل سيناريو أكثر منها.

الانتماء والهوية: فوق الطوائف وتحت لواء الإنسان

رفضت هايني سرور اختزال هويتها في الدين أو القومية. هي تلميذة أمين الريحاني الذي قال: “قبل أن أكون مسيحياً أنا لبناني، وقبل أن أكون لبنانيًا أنا عربي، وقبل أن أكون عربيًا أنا إنسان”. تقول سرور: “ولائي الأول للإنسان المظلوم، والمرأة والطفل هما أكثر من يعاني في مجتمعاتنا.” بهذا المنطق، ترتبط السينما عندها بالعدالة الاجتماعية والكرامة، لا بالترفيه فقط.

من “ساعة التحرير دقت” إلى “ليلى والذئاب”: السينما بوصفها سلاحاً نسوياً

أول أفلامها الطويلة، ساعة التحرير دقت ۱۹۷۴، هو شهادة نادرة لحرب ظفار في عُمان. تروي سرور أنها قطعت أزيد من ۸۰۰ كيلومتر سيراً على الأقدام لتصويره تحت القصف البريطاني. صورت الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل كحركة نسوية بامتياز، لا فقط مقاومة ضد الاستعمار. جيشها حافي، دون رواتب، يخدم الناس ويحرر الوطن، ويعتمد سياسة تمييز إيجابي تجاه النساء.

أما فيلمها الأشهر، ليلى و الذئاب ۱۹۸۴ ، فيمثل تفكيكًا للرواية الذكورية في تاريخ الحركات التحررية. الفيلم، الذي عاد إلى الصالات عام ۲۰۲۴، يتتبع رحلة ليلى التي تسافر عبر ۸۰ عامًا من التاريخ الفلسطيني واللبناني لتكتشف دور النساء في الثورات، من ۱۹۳۶ إلى دير ياسين، إلى الحرب الأهلية اللبنانية. نجاح الفيلم في نيويورك، لندن، وباريس يعكس راهنيته، ويدفعنا للتساؤل: لماذا لا تزال القضايا التي طرحها قبل ۴۰ سنة حية اليوم؟

المرأة في زمن الحرب: ضحية مضاعفة

في شهاداتها، تؤكد سرور أن المرأة غالباً ما تدفع الثمن الأعلى في الحروب: تُغتصب، تُهجّر، تُفقد أبناءها، وتُختزل أدوارها في صور تزيينية. غير أن تجربتها مع اللاجئات والمعنفات أظهرت لها أن للسينما وظيفة علاجية ونضالية، حين توضع في خدمة المهمّشين. تقول: “بالنسبة للمثقفين، الثقافة شيء طبيعي، 

أما للفقراء والمهمشين، فهي كرامة وحق إنساني”. ولهذا، فرضت في عقود توزيع أفلامها أن تُعرض مجانًا في مخيمات اللاجئين وسجون النساء وملاجئ المعنفات.

تجربة فيتنام: نموذج مقاوم من نساء الأرض

فيلمها عن نساء فيتنام ۱۹۹۵، يسلط الضوء على نساء قهرن أعتى الإمبراطوريات، لا فقط بالسلاح، بل بالذكاء والتنظيم. تقول عن إحدى الشخصيات النسائية: “كانت أمية، من عائلة فلاحين، وحررت إقليماً بأكمله بأساليب معظمها سلمية، رغم أنها واجهت جيشاً بعشرة آلاف جندي.” هذا النموذج، تأمل سرور أن يظهر بين النساء الفلسطينيات واللبنانيات.

السينما كحق لا كترف: مشروع “التذكرة المعلّقة”

في مبادرة رائدة، أطلقت هيني سرور بالتعاون مع موزعي أفلامها مشروع :”التذكرة المعلّقة”، الذي يتيح للناس شراء تذاكر تتيح لأشخاص آخرين – لا يستطيعون تحمل كلفتها – حضور الأفلام. المبادرة تستهدف اللاجئين، النساء المعنفات، الشباب العاطلين، والسجناء. تقول: “عرضت أفلامي في سجن في مرسيليا، وفي مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين، وكانت من أسعد لحظات حياتي.”

هذه الحلقة كانت شهادة تاريخية من امرأة عاشت، وثقت، وواجهت. ما يميز مسيرتها ليس فقط أنها أول عربية تدخل مهرجان كان بفيلم سياسي نسوي، بل أنها كرّست فنها لفضح كل أشكال الاستعمار: الخارجي، والداخلي، والذكوري. 

فرنس۲۴