اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
ورغم غياب الإحصاءات الرسمية لنسب عمالة المرأة في سوريا، فإن المسؤول بالوزارة قال -في تصريح لموقع “أثر برس” المقرب من النظام الثلاثاء الماضي- إن المؤشرات والبيانات المتوفرة لديهم تشير لزيادة واضحة بأعداد العاملات على خلفية خروج نسبة كبيرة من الرجال من سوق العمل لأسباب مختلفة.
وزاد انخراط السورية في سوق العمل أخيرًا جراء تدهور الوضع المعيشي والانهيار الاقتصادي المستمر الذي تشهده البلاد منذ سنوات، وتضطر النساء أحيانًا لمزاولة أعمال غير مألوفة أو مجهدة وقاسية تنعكس سلبًا على صحتهن البدنية والنفسية في سبيل لقمة العيش.
غالبًا ما تلجأ النساء في العاصمة وريفها إلى الأعمال والمهن التي لا تحتاج إلى خبرة، لكنها في المقابل تحتاج إلى جهد كبير وساعات عمل طويلة لقاء أجور زهيدة بالكاد تكفي ثمنًا للطعام.
وتعد معامل تصنيع المنظفات، تقشير البطاطا، تغليف المواد الغذائية، دباغة الجلود، تصنيع الحقائب النسائية الأكثر استقطابًا للنساء في دمشق وريفها، لتوفيرها العدد الأكبر من فرص العمل للنساء والأطفال.
وتلجأ بعض النساء إلى أعمال يراها السوريون عموما غير ملائمة للمرأة كقيادة سيارات الأجرة العمومية، توصيل الطلبات، العمل في المكاتب العقارية، وغيرها من الأعمال التي عادة ما يزاولها الرجال حصرًا.
وتقول رغد (۳۸ عامًا) الموظفة بمحل عقاري في ريف دمشق “صحيح أن المجتمع لا يرى عملي مناسبًا، لكنه عمل شريف يؤمّن حاجات أطفالي ويجنّبني ذل سؤال الناس، وهذا يكفيني”.
وتضيف في حديثها للجزيرة نت “جرّبت أعمالًا عدة كانت كلها متدنية الأجر لا تكفي لتأمين أساسيات العيش، فقصدت قريبًا لي يملك مكتبًا عقاريًّا. استغرب بادئ الأمر، ولكن بعد إثبات نفسي في العمل وتأجير بعض الشقق وثق بي وثبّتني في العمل”.
وعلى الرغم من أنها حققت عائدًا ماديًّا معقولًا من عملها بالمكتب العقاري، فإن رغد لا تزال تواجه كثيرا من التحديات لإعالة أسرتها، منذ أن اختفى زوجها على طريق سفر قبل نحو ۴ سنوات من دون أن تعرف شيئًا عن مصيره.
وعن تلك التحديات تقول “عليّ يوميًّا العودة إلى المنزل ظهرًا لتحضير الغداء، واستقبال أبنائي العائدين من المدرسة لأطعمهم ثم أعود إلى العمل. وبعد انتهاء الدوام أعود إلى المنزل وأجلس مع الأطفال لحلّ الواجبات المدرسية ومساعدتهم في الاغتسال وإطعامهم. لقد أصبح هذا الروتين مجهدًا جدًّا”.
وعلى غرار رغد، تضطر كثيرات في مناطق سيطرة النظام إلى القيام بدور الأب والأم معًا في ظل غياب المعيل، وتفاقم الأزمة المعيشية وغلاء أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية.
ويشير تقرير، نشرته الأمم المتحدة عام ۲۰۲۱، إلى أن ۲۲% من الأسر السورية تعيلها نساء، بسبب فقدان كثير من العائلات عائلها من الرجال.
وانتشرت بكثرة ظاهرة عمل النساء في بيوتهن بأعمال بسيطة، كالتطريز أو تحضير الخضار (فرم البقدونس أو حفر الكوسا) وبيعها بأكياس للمحال والمطاعم، أو تسويق البضائع إلكترونيًّا، وغيرها من الأعمال التي تزاولها سوريات من منازلهن لمساندة أزواجهن في تحمل أعباء المعيشة ومواجهة الفقر.
وتتجه أخريات لحضور دورات مهنية مختلفة، مدفوعة أو مجانية، لتعلم حرف ومهن تمكّنهن من الانخراط بشكل أكثر فاعلية في سوق العمل.
وتقول للجزيرة نت نجلاء (۳۸ عاما) وهي إحدى المستفيدات من دورة مهنية لتعليم الخياطة بدمشق “كان دافعي الرئيس لحضور دورة الخياطة أن تصبح لدي مهنة يمكنني من خلالها كسب المال ومساندة زوجي في مصاريف المنزل”.
وتضيف “التحقت العام الماضي بمشغل للخياطة، عاملة على ماكينة الحبكة، لكنني اليوم بدأت أتولى مسؤولية ورديات على ماكينة الدرزة، وأنا فخورة بما أقوم به على الرغم من التعب الشديد وتدنّي الأجر”.
وتنشط الكثير من المراكز التعليمية والجمعيات الإنسانية والخيرية في تقديم دورات تدريبية ومهنية للنساء على مهن وحرف، كالخياطة وتصنيع الصابون والمنظفات وتحضير الحلويات وتصفيف الشعر وغيرها من المهارات والحرف والمهن، لتمكينهنّ من الولوج إلى سوق العمل.
لكن يبقى التحدي الأبرز الذي تواجهه العاملات هو تدنّي الأجور، إذ يبلغ متوسط الراتب الشهري للعاملات بالمصانع والمعامل في دمشق وريفها نحو ۱۱۰ آلاف ليرة (۱۶ دولارًا) شهريًّا للدوام الجزئي، بينما يصل أجر الدوام الكامل (۱۳ ساعة) إلى ۲۲۵ ألفًا (۳۲ دولارًا).
وكان المرسوم التشريعي الصادر عام ۲۰۲۱ قد وضع الحد الأدنى للأجور على عتبة ۹۲ ألفًا (۱۳ دولارًا).
وتشير التقديرات الأممية إلى أن ۹۰% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر منذ ۲۰۲۱، بينما كشف تقرير حديث لبرنامج الغذاء الأممي أن ۷۰% من السوريين قد لا يتمكنون من توفير الطعام لعائلاتهم في ظل الأوضاع المعيشية الراهنة.
المصدر : الجزيرة